محمد فايع 

تشير كثير من الكتب العلمية والمهتمة بدراسة حياة الحيوانات وسلوكها وطريقة عيشها، إلى أن «الحوت الأزرق» يعد من أكبر الحيوانات الحية المعروفة في عصرنا حتى اليوم، إذ يصل طوله إلى 30 مترا، ووزنه إلى ما يقرب من 200 طن، يأخذ ألوانا متدرجة، لكن يغلب اللون الأزرق عليه عند منطقة الظهر، ويقال إنه يعيش بكثرة في شمالي المحيط الأطلسي، والمحيط الهادئ، وفي المتجمد الجنوبي، وربما في كافة المحيطات، لأنها تناسبه، قيل إنه كاد ينقرض لكثرة صيده إلى أن سعي المجتمع الدولي إلى حمايته بمنع صيده، فعادت الحيتان الزرق إلى التكاثر، ويقال على ندرة إقدامها على الانتحار، إلا أنها قد تلجأ إليه عند شعورها بالجفاف، عفوا يبدو لي أني استرسلت في وصف الحوت الأزرق وتفاصيل حياته، فلم يكن موضوعي الحديث عنه بصفته حيوانا مثيرا للاهتمام والقراءة، إنما هدفت من مقالي أن أحدثكم كتابيا عن قضية خطيرة أتمنى أن تنال رعايتنا جميعا، لها علاقة بالحوت الأزرق.


أحدثكم عن لعبة الحوت الأزرق، وهي إحدى الألعاب الإلكترونية وأخطرها حتى الآن، حيث ذهب ضحيتها العشرات من الأطفال في عدة دول من العالم، كان آخرهم ضحية «طفل خميس مشيط» الذي صحونا صباحا على خبر انتحاره، ليُسجل كأول ضحايا هذه اللعبة الخطيرة في بلدنا، إذ إن الذين يمارسون هذه اللعبة عادة ما يقدمون على الانتحار تنفيذا للأمر النهائي للعبة، وقد كانت حادثة ابن البرلماني المصري حمدي الفخراني، الذي طالب بأن يتم حظر اللعبة في مصر بعد فقدانه لابنه، أن وجهت الأنظار إلى خطورة هذه اللعبة وانتشارها في العالم العربي، لهذا تعد اللعبة التي يتم تحمليها على شكل تطبيق، أكبر مثال على ما تمثله الألعاب الإلكترونية من خطورة على حياة الأطفال، خاصة حينما يتم تركهم بدون رقابة أو توجيه لساعات مع الأجهزة الإلكترونية، هذه اللعبة التي اخترعها الروسي فيليب بوديكين، من يدخلها فلن يخرج منها إلا بما لا يمكن أن تحمد عواقبه، فقد وصل الأمر إلى أن من يعلن انسحابه منها، أن يتم تهديده وأسرته بالقتل والملاحقة، لأن مخترعها ولد بوديكين، وضع اشتراطات لمن يدخل اللعبة، كي تشكل تحديا أمامهم عبر المراحل التي يعبرونها حتى النهاية، وهي في الأصل إذا ما تم ترجمة اسمها، فهي تعني «تحدي الحوت الأزرق»، ولولا البلاغ الذي تقدمت به فتاة روسية، وصلت إلى المراحل الأخيرة، ورفضت الانصياع لأوامر صاحب اللعبة وشركاه، حيث إن الأمر في النهاية كان عليها «الانتحار»، لما تم تسليط الضوء عليها، عالميا، ولأصبح ضحاياها بالآلاف، والغريب العجيب أن فيليب بوديكين، طالب علم النفس المطرود من جامعته لاختراعه هذه اللعبة، يقول «إنه كان يهدف من اختراعها إلى تنظيف المجتمع من خلال دفع الناس إلى الانتحار!»، بئس الهدف يا فيليب! وبالفعل فقد انصاع لأمر الانتحار داخل اللعبة في روسيا وحدها، ما يزيد على 16 فتاة، مما استدعى السلطات الروسية إلى ملاحقة بوديكين، والعمل على وضع تشريعات للحد من الانتحار في بلادهم، ناهيكم عن ضحاياها في بلدان أخرى، من بينها الجزائر التي فقدت 8 من أطفالها ذهبوا ضحية اللعبة.


اللعبة في تفاصيلها تدعو اللاعب إلى تجاوز 50 مرحلة، كلها عبارة عن تحديات متتالية، وعلى اللاعب أن يرسم الحوت على أي شيء حتى لو على جزء من جسده، كساعده مثلا، وعليه أن يستمع إلى الأغاني الحزينة، وبخاصة آخر الليل، وعليه أن يؤذي نفسه حينما تجره الأغاني إلى القلق والتوتر، تأملوا وكأن الهدف هو إدخال أكوام من اليأس والإحباط إلى نفس المراهق، كي يكره حياته ويصل إلى درجة من اليأس، حتى يصل إلى مرحلة وقناعة أن الانتحار هو الخلاص مما هو فيه من أوهام رسمتها اللعبة حوله، وهنا منتهى الخطورة في اللعبة.


وخبراء التربية وعلماء النفس في العالم حذروا من اللعبة، وأعدت لذلك الكثير من البرامج التثقيفية، وبينوا أن هناك عددا من الملاحظات يجب التنبه إليها، فعند ملاحظتها على الطفل فهذا يعني أنه واقع تحت تأثير اللعبة، أو أنه يمارسها، فإذا كان ينام النهار ويسهر الليل، ويشاهد الأفلام لساعات طويلة بخاصة المرعبة، وظهرت على أجزاء من جسده خدوش أو جروح مفتعلة، وبدأ يميل إلى العزلة لوحده، وأبدى تعاطفا مع المنتحرين، أو دافع عن إقدامهم عليه، وأصبح يغضب بسرعة وينفعل لأتفه الأسباب، أو بدا في حديثه تذمر من أفراد أسرته ووصفهم بأنهم غير مهتمين به، فهذه كلها وغيرها من العلامات أو الدلالات التي تستدعي الأسرة إلى ملاحقة طفلها قبل فوات الأوان، ومعالجة أمره، فهي علامات خطرة. 


بودي في الختام أن أشير إلى أن كافة الألعاب الإلكترونية، سواء كانت للحوت الأزرق أو الأبيض، إنما هي خطر على أطفالنا، وإن تركهم بدون رقابة وتوجيه مع وسائل التواصل الاجتماعي، المليء بالغث والسمين، مع عدم تحديد ساعات الجلوس مع أجهزتهم الذكية التي حولتهم إلى جمادات، فهذا يعني أن علينا أن ننتظر مزيدا من التعب والوجع النفسي على أطفالنا، ونحن نراهم ينحدرون إلى مستويات خطرة، بدأت لنا تنعكس وتظهر على صحتهم النفسية والجسدية والأخلاقية والتحصيلية الدراسية، فعلينا أن نتدارك الأمر قبل أن نصل إلى مراحل يصعب علينا مواجهة ما يعانونه، وعلينا مواجهة التحديات الأخلاقية، مع الانفتاح غير المحدود في ضبط معايير تربيتهم بالوعي والتوجيه والرقابة، وتحديد أوقات جلوسهم إلى الأجهزة، وملاحظة ما قد يطرأ عليهم من تغيرات سلوكية من وقت مبكر، ومعالجتها، فالملاحظ أن هناك تخليا لدورة الأسرة، وفقدانا لسيطرتها، وحقا ما قاله أحمد شوقي


ليس اليتيم من انتهى أبواه
من همِّ الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
أمًّا تخلت أو أباً مشغولا
وهذا حال الكثيرين اليوم مع الأسف.