مصطفى زين 

منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض وإعلانه موقفه ضد الاتحاد الأوروبي، ومطالبته دول الحلف الأطلسي بزيادة مساهماتها في موازنته، تصاعدت حملة النيوليبيراليين واليمين المتطرف ضد حكوماتهم في القارة القديمة، مسجلين حضوراً كبيراً على مستوى الشارع وفي المؤسسات الوطنية والبرلمانات، كما تصاعدت المطالبة بتفكيك الاتحاد، وزادت العنصرية ضد الأجانب والملونين والمسلمين.


لم يكتف ترامب بإعلان مواقفه المعادية للاتحاد الأوروبي عبر تويتر، بل أرسل مندوبين إلى معظم الدول لحض مناصريه على التصعيد ضد بروكسيل، كان آخرهم مستشاره للأمن القومي جون بولتون الذي مهد لزيارة الرئيس لندن بلقاءات سرية مع أكثر المتشددين ضد التكتل. متشددون يتوهمون أن المملكة المتحدة أكبر من القارة وباستطاعتها بناء علاقات دولية، بعيداً من القوانين الموحدة التي تحكم دولها.

طمأن بولتون أصدقاءه البريطانيين إلى أن واشنطن تنتظر تطبيق «بريكزيت» لعقد اتفاقات تجارية مع لندن، ما زاد حدة الخلافات بين أركان حكومة تيريزا ماي وفي صفوف حزب المحافظين. ودعا النائب إيان دانكن سميث الوزراء إلى وقف «المهاترات» في ما بينهم، وهدد آخرون بقلب الطاولة على ماي وإطاحتها إذا لم تتشدد وتوقف المفاوضات مع بروكسيل وتغادر الاتحاد فوراً.

تجاهل المطمئنون إلى كلام «الصديق» بولتون أن إدارة ترامب تفضل المفاوضات مع كل دولة أوروبية على حدة كـــي تستطيع فرض شروطها، كما تجاهلوا إعلانه الحرب التجارية على القارة، واستئثاره بمعـــظم تــجارة الأسلحة مع الدول الحليفة، وفرضه سياساته في آسيا وفي الشرق الأوسط، وتفرده بإلـــغاء الإتفــــاق النووي مع إيران وتهديده بتغريم الشركات الأوروبية التي تخالف هذه الســـياسات، وإعلانه القــــدس عاصمة لإسرائيل، وسعيه إلى فرض «صفقة القرن» على الفلسطينيين، من دون استشارة أي من دولهم.

أبعد من ذلك، عندما قرر ترامب لقاء بوتين في هلسنكي، بعد زيارته لندن، علمت أوروبا بالأمر من الإعلام الأميركي فالرئيس لم يكلف نفسه التنسيق مع أي من الدول المعنية بالعلاقات مع روسيا وهي الأقرب إليها جغرافياً والأكثر تأثراً بسياسات الكرملين، ولديها جيوش في الشرق الأوسط، حيث تواجه الروس. كما أنها لا تجرؤ على اتخاذ الخطوة ذاتها بالتقرب من موسكو خشية إزعاج «الأخ الأكبر»، وليس من مسؤول فيها مستعد للمغامرة بلقاء سيد الكرملين من دون إثارة الشارع المعبأ ضد «القيصر».

ستتابع أوروبا لقاء هلسنكي، وستوافق على نتائجه، وعلى تقاسم أميركا وروسيا النفوذ في العالم. وستقر مع الرئيس الأميركي ثنائية القطب، وهذا هو الهدف الأساسي لموسكو منذ وصول بوتين إلى الحكم. من أجله ضم القرم، ويخوض حرباً في أوكرانيا، ويمتن العلاقات مع إيران وتركيا، ويقيم قواعد في سورية، ويتزعم تجمع «بريكس» ومنتدى شانغهاي، مع الصين، في حين يقف الاتحاد الأوروبي متفرجاً على هذه التطورات كأنه مراقب محايد.

ستستقبل لندن ترامب، الأسبوع المقبل، وتكرمه بلقاء مع الملكة إليزابيث الثانية. أما محادثاته مع السياسيين في الشؤون الأوروبية والدولية فستكون «حواراً بين أصدقاء»، على ما أعلن بولتون في لقاءاته السرية. والأصدقاء لا يثيرون الخلافات في ما بينهم فمصالحم «واحدة»، والرئيس أدرى بها.