مصطفى السعيد

انفجار كبير على وشك الحدوث فى منطقة الخليج ويهدد العالم بأزمة اقتصادية خطيرة وحرب عسكرية على أثر التصعيد الخطير بين الولايات المتحدة وإيران، بعدما أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنه سيمنع إيران من تصدير البترول، متوعدا بأن تصل عائداتها إلى صفر، وجاء الرد الإيرانى سريعا على لسان رئيسها حسن روحانى الذى قال إن منع تصدير النفط الإيرانى سيقابله منع تصدير نفط منطقة الخليج، فى إشارة ضمنية إلى أن إيران ستغلق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط، وما كان ضمنيا فى كلمات روحانى أصبح صريحا وواضحا على لسان قائد الحرس الثورى الإيرانى محمد على جعفرى الذى أعلن أن مضيق هرمز إما يكون للجميع أو لا أحد، ليقرع باقى قادة الحرس الثورى الإيرانى طبول الحرب، وفى مقدمتهم الجنرال قاسم سليمانى الذى أكد استعداد قوات الحرس الثورى لتنفيذ توجيهات القيادة السياسية بمنع تصدير نفط المنطقة إذا أقدمت الولايات المتحدة على منع إيران من تصدير نفطها، وترفع الولايات المتحدة من وتيرة التحدى وتعلن جاهزية أسطولها لتأمين الملاحة فى الخليج والمضيق، لتصبح المنطقة على حافة الحرب.

لم يكن تهديد الرئيس الأمريكى ترامب يبدو فلتة لسان، لأنه دعا دول الخليج إلى الاستعداد لرفع إنتاجها من النفط لتعويض النقص الناجم عن منع تصدير النفط الإيراني، لكن ردود الفعل العالمية جاءت غاضبة من التلويح بحرب النفط، وقالت الصين إن الرئيس الأمريكى يطلق النار عشوائيا على العالم وسيصيب نفسه، فى إشارة أوسع لمجمل سياسات الرئيس الأمريكي، وتكثفت الاتصالات بين الرئيس الإيرانى روحانى وكل من المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسى ماكرون لاحتواء الأزمة التى تنذر بعواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. من الناحية العسكرية فإن إيران قادرة على إغلاق مضيق هرمز حتى لو تدخلت الولايات المتحدة، فلدى إيران آلاف الزوارق الحربية السريعة التى سبق أن وصفتها وزارة الدفاع الأمريكية بأنها قادرة على إلحاق ضرر جسيم بقطع الأسطول الأمريكي، لكن إيران تملك أيضا صواريخ أرض بحر وطوربيدات قادرة على تحويل المضيق إلى كتلة من النيران، بالإضافة إلى آلاف الألغام البحرية، وسبق لها أن عرقلت حركة الملاحة فى المضيق أثناء الحرب الإيرانية العراقية، قبل أن تتعاظم قدرتها العسكرية الصاروخية والبحرية إلى درجة باتت تهدد جيرانها ويصل مداها إلى أوروبا، وفى حالة نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران فإن شظايا الحرب سوف تتطاير فى كل اتجاه، ليندلع أكبر حريق فى المنطقة، وهو ما يرجح أن الإدارة الأمريكية لن تدع الأمور تصل إلى هذا الحد، وستحاول تجنب الوسائل العسكرية مع إيران، لتقتصر على الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية، وأن تطالب الدول المستوردة للنفط الإيرانى بوقف وارداتها، مقابل ضمان حصتها من النفط عبر زيادة إنتاج دول الخليج، لكن لا يبدو أن دولا مثل الصين سوف تقبل بالعرض الأمريكي، لأنها ستضع مصيرها بين أيدى الرئيس ترامب الذى يريد أن يطوق رقابها بالسيطرة على إنتاج ووجهة تصدير النفط، خصوصا أن ترامب أعلن حربا تجارية واسعة، ووضع القيود على واردات أمريكا من منتجات الصين وأوروبا وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية، وهو ما أدى إلى تصدع فى الثقة بين الولايات المتحدة وكثير من حلفائها قبل خصومها، ولهذا لن تسمح للولايات المتحدة بوقف تصدير النفط الإيراني، ليس حبا فى إيران وإنما للتعبير عن رفض سياسة ترامب التى تشعل الأزمات تلو الأخرى منذ صعوده إلى عرش البيت الأبيض، ولهذا تناقش دول أوروبا منح إيران ضمانات اقتصادية مقابل استمرارها فى الالتزام بالاتفاق النووى الذى خرجت منه الولايات المتحدة، وفى مقدمة هذه الالتزامات الاستمرار فى شراء النفط الإيراني.

من الصعب على الولايات المتحدة أن تؤثر كثيرا على مستوى الصادرات النفطية الإيرانية، فلا الحرب ممكنة فى ظل الردع المتبادل، ولا الحصار الاقتصادى سيكون فعالا فى ظل التحالف الإيرانى الروسى الصيني، والضيق الأوروبى من سياسة ترامب، والمرجح أن يكون إعلان الرئيس الأمريكى بمنع تصدير النفط الإيرانى مشابها لتصريحه بأنه سيضرب القوات السورية إذا أقدمت على ضرب الجماعات المسلحة فى جنوب سوريا، لكنه تراجع عن حماية الجماعات المسلحة، لتنهار أمام تقدم الجيش السورى إلى الحدود الأردنية.

إن سياسة الرئيس ترامب قد أزعجت العالم، بدءا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والخروج من الاتفاق النووى مع إيران، وإعلان الحرب التجارية، والمعامله السيئة للمهاجرين، وحتى إعلان حرب النفط، لكن تلك السياسات ستلحق الضرر بالولايات المتحدة التى تفقد حلفاءها وتزيد من اصطفاف وتقارب خصومها وتضعف نفوذها، وتسرع من وتيرة ظهور أقطاب متعددة تشاطر الولايات المتحدة نفوذها، وتنهى حقبة تفردها بالسيطرة على العالم.