سمير عطا الله

وكان هناك أيضاً عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وندّه عباس محمود العقاد، والدكتور منصور فهمي باشا، وأحمد حسن الزيات صاحب مجلة «الرسالة»، ومحمد حسن نائل المرصفي، وشيخ العروبة أحمد زكي باشا، وأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، والدكتور محمد حسين هيكل باشا، والرحالة أمين الريحاني، ومترجم الإلياذة سليمان البستاني، وإبراهيم عبد القادر المازني، ومجد الدين حفني ناصف، والمؤرخ توفيق إسكاروس، وإدريس راغب باشا صاحب جريدة «المحروسة» التي تنازل عن رخصتها فيما بعد إلى والد مي وداود بركات محرر جريدة «الأهرام»، وطاهر الطناحي محرر مجلة «الهلال». ومن رجال السياسة عبد العزيز فهمي باشا وعبد الستار الباسل باشا. وذاعت شهرة الصالون حتى طلب الزوار الأجانب زيارته ومنهم هنري جيمس، أشهر الروائيين الأميركيين في حينها وحتى هذا الحين.

يقول الشيخ مصطفى عبد الرازق: «كانت مي هي التي تدير الحديث، ولكن من دون أن تظهر بمظهر المتزعمة في النادي، أو المتصدرة في الحفل، مما يدل على ناحية من نواحيها الخلقية الجميلة. وكان تنوع الأحاديث وسموها وسلامتها من كل ما لا تخلص منه عادة المجامع، يدل على مقدار كفايتها الأدبية وقيمتها الأخلاقية». ويصوّر محمد عبد الغني حسن شخصية مي في صالونها بقوله: «تلك هي مي الكاتبة، ومي الشاعرة الرقيقة الحس، وتتسع نظراتها للأديان أصل الخير ومنبع الرحمة والبر، وتتسامى بفكرتها الإنسانية إلى العالمية، وتحتقر كل تعصب وتنبذ كل تحزب. كانت الفصيحة البيان، الطليقة اللسان». وقال عميد الأدب طه حسين: «إن مي تنظّم الاجتماعات الأدبية التي يشترك فيها الرجال والنساء اشتراكاً حراً سمحاً، فيه كثيرٌ جداً من الرقي والامتياز، تنظّم هذه الاجتماعات في بيتها، وتشترك في كل اجتماع يشبهها إذا كان خارج بيتها».
إذن، من كل هذه الشهادات لكبار المصريين، ومما لا يتسع له المجال إلا في مؤلفٍ خاص، هناك إجماع على أن صاحبة المنتدى كانت تتمتع بأخلاق حسنةٍ جداً، وخوفاً من أن يكدِّر الحسد مستوى النقاش، رفعت في صدر البيت قصيدة الإمام الشافعي الشهيرة:
إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى وعيشك موفورٌ وعرضك صيّنُ 
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات، وللناس ألسن
ظلّت هذه هي صورة مي في ذاكرة العرب ورحاب مصر، إلى أن قرر الصحافي ناصر الدين النشاشيبي أن يكتب «مذكراته» عن الفترة التي قضاها في القاهرة في الخمسينات. ولما أعوزه شيء من المادة، قفز فجأةً إلى عشرينات القرن الماضي ليضم مي زيادة إلى «ذكرياته». فتراءت له مي كما تراءى له معظم الذين كتب عنهم في حياته سواء عرفهم عن قرب أو تذكرهم عن بعدٍ ساحق. ولم يجد ما يقوله عنها سوى أنها كانت فاحشة. وكان قد قال في طه حسين من قبل أكثر من ذلك.