طوني فرنسيس

الذين وضعوا القانون الأخير للانتخابات النيابية في لبنان كانوا يعرفون ماذا يفعلون وماذا يريدون. صحيح أن النسبية أدخلت في القانون، وهي مطلب بات شبه ثابت في أدبيات الأطراف والقوى السياسية منذ سنوات، إلا أن اعتمادها جاء لتغطية ثابتتين تشكلان الجوهر الفعلي للقانون الجديد، وهما الإبقاء على جوهر النظام الأكثري وتطويعه باعتماد فكرة «اللقاء الأرثوذكسي» التي تبناها أطراف فريق 8 آذار خصوصاً، وبعض 14 آذار، وفحواها أن ناخبي كل طائفة يختارون مرشحاً يمثلهم من بين مرشحي الطائفة المعنية، وهو ما اصطلح على تسميته باقتراع الصوت التفضيلي.

فتح القانون شهية القوى الحزبية الطائفية للاستئثار بالمقاعد النيابية المخصصة لكل طائفة من الطوائف، وكان المستقلون أول الضحايا، وثانيهم التحالفات المبدئية. ضاعت السياسة واتجاهاتها في خضم السعي لتحصيل المقاعد. ولم تحصل سوى لقاءات انتخابية آنية بين قوى تعاونت في دائرة وتخاصمت في دائرة أخرى، إلا في ما ندر. أما التحالف الوحيد الذي صمد وحقق أهدافه فكان تحالف الثنائي الشيعي (حركة أمل و«حزب الله») الذي وضع يده كلياً على المقاعد الشيعية في البرلمان اللبناني، ووسع نفوذه عبر حلفاء في الطوائف الأخرى، دعمها تصويتاً ونفوذاً، ما جعل المسؤول الإيراني قاسم سليماني يعرب عن سروره لنيل من سمّاهم محور المقاومة أغلبية 74 نائباً في مجلس النواب اللبناني المكون من 128 نائباً. أجرى وجهاء الطوائف الكبرى امتحانهم الذي خططوا له عبر إقرارهم القانون الانتخابي، ونالوا حصصهم من المقاعد النيابية وانتقلوا إلى المرحلة الثانية: تشكيل الحكومة التي ستمثل قوى يعتبر كل منها نفسه «بلداً» قائماً بحد ذاته.

لم يكن تشكيل الحكومات في لبنان قبل سبعينات القرن الماضي يواجه عقداً كالتي صارت تواجهه في مرحلة إتفاق الطائف. صعوبات التشكيل بدأت مع التوغل الفلسطيني في الشأن اللبناني. أمين الحافظ لم يصل إلى جلسة الثقة، ورشيد كرامي استغرق أشهراً لتشكيل حكومته. الاستناد إلى القوة الفلسطينية ثم السورية جعل القوى المعتمدة عليهما قادرة على منع السير الطبيعي في عملية بناء السلطة التنفيذية، وفي عهد الوصاية السورية إثر إتفاق الطائف، كانت الحكومات تشكل في دمشق أو عنجر، ومن يعارض يذهب إلى منزله أو إلى السجن أو إلى المنفى... الآن ثبتت نتائج الانتخابات الأخيرة شرعية قدرة الراغبين في تعطيل قيام الحكومة إلا بشروطهم، بعد إن كانت هذه الرغبة تقوم فقط على قدرة التعطيل استناداً إلى التهويل بالشارع المسلح وشتى صنوف طرق تحريكه. إن الصعوبات التي يواجهها الرئيس المكلف تكمن هنا بالذات، وليس فقط في شهية الراغبين بحصص وزارية وازنة. هذا ما يعنيه قانون الانتخاب ونتائجه.