وليد شقير

قد تكون صدفة أن يوجد في موسكو للـــقاء الرئيس فلاديمير بوتين كل من مستشار المرشد الأعلى الإيراني الدكتور علي أكبر ولايتي، وبنيامين نتنياهو أول من أمس. ساعات قليلة فــصلت بين إجتماع الأول مع الثاني ثم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

لكن وصف الصدفة هذا لا ينطبق على الاجتماع في غرفتين منفصلتين بين وفدين إسرائيلي وآخر إيراني في الأردن، تولى الجانب الأردني الذهاب والإياب بينهما قبل زهاء 5 أسابيع. وليس صدفة أيضاً أن يزور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سلطنة عمان ليلتقي نظيره يوسف بن علوي في مسقط الأسبوع الماضي، لتنطلق بعدها لقاءات يقول العارفون إنها تتم بعيداً من الأضواء لجس النبض حول التفاوض بين طهران وواشنطن بعد العقوبات الموجعة التي قررتها إدارة دونالد ترامب، وينتظر أن تصل إلى ذروة غير مسبوقة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل بفرض العقوبات على الدول التي تستورد النفط الخام الإيراني. 

وهي مفاوضات شبيهة بتلك التي مهدت عبرها مسقط للتفاوض الذي نجح لاحقاً في التوصل للاتفاق على الملف النووي الإيراني. المتابعون لهذه المفاوضات لا يستبعدون أن يفاجئ الجانب الإيراني بالبراغماتية العالية التي يجيدها عند الضرورة، قادة الإقليم ويستدير للمساومة مع دول الغرب. فالتحولات التي تشهدها الساحة السورية، وخصوصاً الجبهة الجنوبية، أفضت إلى معادلات جديدة، باتت معها الحاجة إلى الدور الإيراني في دعم نظام بشار الأسد غير جوهرية كما كانت قبل سنة أو سنتين. حلّ نتنياهو ووزير دفاعه أفيغدور ليبرمان مكان طهران في تثبيت الرئيس السري في منصبه بالشراكة مع موسكو. 

بل أن البحث أخذ يجري حول كيفية التواصل بين حكام دمشق وبين حاكم تل أبيب. ومن الجهة السورية لم يكن من شك لدى النظام الحاكم منذ ما بعد حرب 1973 (وحتى منذ الاستيلاء الإسرائيلي الملتبس على الجولان عام 1967 ) بأن إجازة استمراره يجب أن تكون ممهورة بالختم الإسرائيلي. واشتراط إسرائيل العودة إلى تطبيق اتفاق فك الاشتباك للعام 1974 ليس إلا وسيلة لتجديد قناة اتصال موجودة منذ 3 عقود، مثلما هو شرط ملزم لاستبعاد الميليشيا الإيرانية (وحتى الجيش السوري وفقاً للاتفاق القديم)، من الحدود مع الجولان المحتل في محافظة القنيطرة في المنطقة الجنوبية التي هي مسرح اللعبة الدولية الإقليمية الآن، على حساب الشعب السوري.

بات واجباً على طهران أن تفتح قنوات التفاوض من جهتها، أمام الآثار القاسية لعقوبات واشنطن، والمساومات المطروحة على وجود الحرس الثوري والميليشيات التابعة له في سورية في قمة هلسنكي بين بوتين وترامب الإثنين المقبل، وكما طرحها نتنياهو في موسكو متبرعاً بالمقايضة على إنهاء القيصر هذا الوجود، مقابل السعي لرفع العقوبات الغربية عن روسيا بسبب أزمة أوكرانيا. لدى طهران أوراق قوية يجب عدم الإستهانة بها. هذا فضلاً عن أن العقل الفارسي يجيد استخدام هذه الأوراق وتوظيفها، على مراحل بحيث لا يحرقها. والثمن الذي عليه دفعه ضمان أمن إسرائيل.

إذا كانت خطوط التفاوض مفتوحة بين إيران وبين إسرائيل، ومع الجانب الأميركي، لماذا نسمع هذا الضجيج العالي والتهديد بالحرب والويل والثبور والتلويح بوقف الملاحة في مضيق هرمز من قادة الحرس، لمنع تصدير النفط الخليجي؟ ولماذا نسمع قرقعة السلاح والتهديد «بإزالة إسرائيل من الوجود، والغارات الإسرائيلية شبه اليومية في سورية ضد قواعد الإيرانيين، وآخرها بالأمس في القنيطرة. وقبلها يوم الأحد على مطار «تي 4 « ضد القواعد الإيرانية والتي على ما يبدو حققت إصابات قوية بالبشر والعتاد ومستودعات الصواريخ. ولماذا نشهد بين هذه الغارة وتلك إطلاق طائرة «درون» يقول الإسرائيليون بعد إسقاطها، تارة إنها إيرانية وأخرى إنها سورية؟ فأي الدولتين تتجنب تل أبيب إحراجها؟

من المنطقي أن تحصل أي مفاوضات، لا سيما إذا كانت ستفضي إلى نتائج معاكسة كليا لقصائد التعبئة الأيديولوجية، تحت غبار المواجهات. ومن الطبيعي أيضاً أن يبقي كل فريق على أوراقه في الميدان بموازاة الخطوط الديبلوماسية الخلفية المفتوحة. ومن نافل القول إن التفاوض ليس ثنائيا بل مثلث ومتعدد الأطراف فإذا نجح ثنائياً بين فريقين، قد يتطلب استكماله مع دول أخرى... إلا أنه لا بد من تسجيل قدرة إيران على ضبط النفس حيال الضربات الإسرائيلية الموجعة، كما يقول أحد العارفين بالميدان السوري.

كل الخطوط المفتوحة تحت الطاولة قد تنجح وقد تفشل في نهاية المطاف. وإبقاء الجاهزية من عدة الشغل.

أما مصير سورية فله حديث آخر.