زياد الدريس 

في عام 2014، أصدرت كتابي: «حروب الهويات الصغرى»، بغرض مناقشة ومكافحة التصنيفات الإقصائية المتفشية في المجتمع، والتي اشتعلت من جديد حينذاك، ثم استفحلت في الأعوام الثلاثة التالية لصدور الكتاب.


الآن، بعد مضي أربع سنوات على صدور الكتاب، أُعلن أني إن استطعت التنبؤ باستفحال الصراع حول الهويات الصغرى، فقد فشلت في التنبؤ بما ستؤول إليه حروب الهويات الصغرى من سرعة في التحول إلى حروب هويات كبرى!

انتقلنا من الصراع بين مذهب وآخر إلى الصراع بين دين وآخر أو بين دين ولا دين، ومن التفضيل بين قُطر عربي وآخر إلى التفضيل بين قُطر عربي وآخر أجنبي، ومن الانحياز بين شعب عربي وعربي آخر إلى الإنحياز بين شعب عربي والشعب الإسرائيلي!

فتحُ الأبواب بالكامل لمناقشة جميع التمايزات بمنتهى الحياد والتجرد من أي التزامات دينية أو قومية أو حتى وجدانية، أمرٌ غير مسبوق في ثقافتنا العربية، وهو الذي أدى إلى ما نراه الآن من حروب هويات متصاعدة وبلا حدود.

وجود هذه التهديدات المتوالية للهويات الدينية والقومية والوطنية قد يزيد في المقابل من حدة التوتر والقلق لدى العامة. وقد ينجم عن هذا ردود فعل شكلية بسيطة، ولكن أيضاً قد تـــظهر ردود فعل متوترة ومتطرفة.

يمكن الاستدلال على هذا القلق، الناعم مثلاً، بمستوى الانشغال بهويات بعض اللاعبين في بطولة كأس العالم لكرة القدم التي اختتمت نهاية هذا الأسبوع في موسكو، حيث انشغل كثيرون بتحديد اللاعبين المسلمين أو ذوي الأصول العربية في الفرق المشاركة، في حين لم ينشغل الناس بمثل هذه الدرجة في فحص وإبراز وتداول هويات زين الدين زيدان الذي صنع الطريق لفرنسا إلى كأس العالم 1998 ولا بأصول اللاعب السويدي إبراهيموفتش ولا اللاعب الفرنسي الآخر بنزيما، وغيرهم كثر من اللاعبين الأجانب من ذوي الأصول العربية أو الديانة الإسلامية.

يرى البعض أنه في حين يؤدي الانشغال بالهويات الصغرى إلى تناحر اجتماعي لا طائل من ورائه سوى تفشي وباء التصنيف والإقصاء، فإن فتح الأبواب لمناقشة الهويات الكبرى قد يكون مجدياً في إعادة النظر في بعض المسلّمات المغلوطة أو بإعادة التمسك بالمسلمات الثابتة.

لكن يرى آخرون أن المساس بالهويات الكبرى أو جعلها مجالاً للتشكيك والتفكيك أمرٌ حساس ودقيق، قد ينفع الخاصة لكنه يضر العامة.

المؤكد أن الجدالات حول الهوية يُفضي دوماً بالبعض إلى الاستخفاف بها والتخلي عنها، وبالبعض الآخر إلى مزيد من التمسك بها والانغماس فيها.