عبدالله بن بخيت

كانت أيام ممتعة، كأس العالم من أعظم ما اخترع الإنسان، لك أن تتخيل أن شلة تجلس في غرفة نائية في الأرجنتين وأخرى تجلس في مقهى في لندن وثالثة في استراحة في الرياض وفي الصين وفي الفلبين وفي آخر بقعة من العالم، شلل من كل الأعمار ومن كل الديانات ومن كل الأعراق تجلس في لحظة سعادة واحدة مشتركة، شيء لم يحدث في كل الأزمان، لك أن تتخيل أن مسابقة كرة القدم الحدث الوحيد الذي يمكن أن يجمع كل هؤلاء البشر على السعادة المشتركة، لا يجتمع البشر على حدث مشترك تترقبه وتتابعه باهتمام إلا في الأحداث الكارثية، تسونامي هيركان أو الحرب الطاحنة كالحرب العالمية الثانية أو الشناعات كما يجري في سورية وجرى في العراق. عندما تتفرج على مباراة فإن تقييمك الوحيد لها هو جمال اللعبة أو انتماؤك للفريق، لا يطرأ على بالك دين اللاعب أو عرقه او جنسيته، تريد النصر لفريق بلادك أو الفريق الذي تعجب به في حدود جماليات وقوانين كرة القدم، حتى الشغب إذا طرأ بين الحشود لا انقسام حوله، لن يجد من يؤيده. سيواجه بسيل من الانتقادات من كل الأطياف.

طرأ على كأس العالم في هذه الدورة تطور نوعي، تسرب في الدورات الماضية ولكنه في هذه الدورة تجلى بالكامل، عكس هذا التطور مضي الإنسان نحن الحضارة والسلام، كانت الفرق الأوروبية تمثل الرجل الأبيض والأفريقية تمثل الرجل الأسود وهكذا. في هذه الدور كاد الفريق الفرنسي بطل العالم أن يصبح إفريقياً. كما امتلأت الفرق الأوروبية الأخرى باللاعبين من المهاجرين. لك أن تقرأ تاريخ بلجيكا في إفريقيا والفظاعات التي ارتكبها ملك بلجيكا ليوبولد الثاني في الكنجو ثم ترى في ملعب كرة قدم أن اأفاد المذلين المنكوبين يمثلون أحفاد ليلوبولد الثاني مرتكب أفظع المجازر في تاريخ البشرية في حق الشعب الأفريقي.

 لم يكن من الممكن أن يلعب رجل أسمر أو أي عرق ضمن الفريق الإنجليزي، النظام البريطاني نظام عنصري ذكي، يقود إلى العنصرية دون أن يسميها، الوافد على بريطانيا بصرف النظر عن عدد الأجيال التي يتوالد فيها على الأراضي البريطانية لا يمكن أن يكون إنجليزياً او إسكوتلنديا أو وليزياً، يصبح بريطانيا، لا يدخل ضمن الجسد البريطاني الأصلي. ما كان يمكن في الماضي أن يشارك لاعب أسود في المنتخب الإنجليزي أو الاسكوتلندي إلخ. ظهر هذا مؤخراً بهدوء وشاهدناه أخيراً بوضوح في هذه الدورة.

سيحتفظ التاريخ لصاحب فكرة كأس العالم بنصيبه من المجد الإنساني، سيأتي اليوم الذي يظهر اسمه في الكتب المدرسية، عندما تتخلى البشرية عن تمجيد قادة الحروب وتتحسس مجدها الحقيقي، أن يجلس العالم بسلام في كل مكان يشتركون في لحظات انفعال ومرح وسعادة على مستوى البشرية شيء لا يصدق.