آدم سيمنسكي

أدت كل من الأسعار الدولية المتصاعدة للنفط، والضبابية الجيوسياسية، إلى إعادة وضع الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لـ«أوبك» على جدول أعمال السوق العالمية. ويطرح ذلك تساؤلاً حول القيمة الفعلية لهذه الطاقة الاحتياطية في امتصاص صدمات الأسعار، وحجم الفائض الملائم لهذه الفترة التي تشهد تقلبات اقتصادية وسياسية.

وتناول مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية بالمملكة العربية السعودية هذه التساؤلات في دراسته التي أجراها أكسل بيرو وجيمس سميث، ونشرت في «إنيرجي جورنال».

ويتعرض إنتاج النفط وإيصاله للأسواق لحدوث بعض الانقطاعات، سواء بسبب النزاعات أو الكوارث الطبيعية أو الإضرابات العمالية أو إغلاق المنافذ أو العقوبات السياسية. كما أن جمود الطلب والعرض يزيدان من سوء تلك الانقطاعات، وعادة ما يتطلب إعادة التوازن للأسواق تحرك الأسعار بشكل حاد؛ وخاصة على المدى القصير.

ولطالما استخدمت أوبك طاقتها الاحتياطية لاستقرار السوق، كقيام أعضاء المنظمة برفع إنتاجهم لمواكبة الزيادة غير المتوقعة في الطلب بين عامي 2003 – 2004، والتعويض عن انهيار الإنتاج النفطي الليبي في أعقاب الاضطرابات التي اندلعت في البلاد عام 2011، وتبلغ الفوائد للاقتصاد العالمي من الاستخدام الفعال لطاقة أوبك الاحتياطية للحد من تقلبات الأسعار ما بين 170 و200 مليار سنوياً.

وتم التوصل لنفس النتيجة عند إجراء التحليل على السعودية وحدها، ودول مجلس التعاون الأربع أعضاء أوبك مجتمعة، حيث أظهرت النتيجة أن المملكة لعبت الدور الأبرز في امتصاص الصدمات من بين أعضاء أوبك الآخرين مجتمعين. وهذا ليس مفاجئاً بالنظر لامتلاك المملكة 70 في المائة من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لأوبك منذ عام 2011.

وتجري الدراسة التي أجراها كابسارك نمذجة للنتائج الاقتصادية الأكثر احتمالية فيما لو لم تتدخل أوبك بالتصدي لصدمات الأسعار وتنظيم العرض والطلب العالميين. وتؤكد الدراسة أن عملية صنع القرار في أوبك يجب أن تتعامل مع المعطيات غير المكتملة على الجانب الجيوسياسي والصناعي والاقتصادي. كما أظهرت أنه كان لأوبك تأثير كبير في استقرار السوق وتقليل حدة تقلباته بمقدار النصف.

السؤال المطروح الآخر هو ما إذا كانت الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لأوبك كبيرة بما يكفي أو ملائمة، نظراً لأنها الآن عند مستويات أدنى مما كانت عليه قبل عقدين، رغم نمو الطلب على النفط بنسبة 25 في المائة. «الحجم الصحيح» نظرياً هو عندما تكون تكلفة إضافة برميل واحد في اليوم للطاقة الاحتياطية مساوية لخسارة الناتج المحلي الإجمالي التي ستنشأ دون ذلك البرميل الإضافي. وتؤكد الدراسة أن «ممتص الصدمات» لمنظمة أوبك البالغ 2.64 مليون برميل يومياً (تبلغ حصة المملكة منها 1.94 برميل يومياً) يتوافق مع احتياجات الاقتصاد الكلي العالمي.

والطاقة الاحتياطية ليست سوى قطعة واحدة من صورة أكبر بكثير للحد من تأثير صدمات الأسعار النفطية. ويتحمل المستهلكون الأفراد والمنتجون والجهات الحكومية والمنظمات المتعددة الأطراف أيضاً جزءاً من عبء التعامل مع صدمات أسعار النفط جراء الاحتفاظ بالمخزونات المكلفة.. وبالتأكيد لا يحصل هذا دون مقابل، حيث تحقق الطاقة الإنتاجية الإضافية فوائد مالية تأتي من أن تلك الكميات من النفط تضخ وتباع وفق أسعار مرتفعة.

إن ظهور النفط الصخري مؤخراً جعل العرض من غير أعضاء الأوبك أكثر استجابة للأسعار، غير أن النفط الصخري بدوره يخضع لقيود لوجيستية، كتلك التي تحد مؤقتاً من توسعه في «بيرمين بيسين» غرب تكساس الأميركية. كما أنه لا يمكن للنفط الصخري امتصاص الصدمات الكبيرة غير المتوقعة، وبالتالي فهو لا يعطي نفس القدر من الحماية والاستقرار للاقتصاد العالمي كذلك الذي توفره الطاقة الاحتياطية لمنظمة الأوبك.

* رئيس مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية