مصطفى زين

الهجوم الكبير الذي تشنه الصحافة الأميركية والغربية على قمة ترامب - بوتين، واتهامها الرئيس الأميركي بالضعف وتسليم أوراقه إلى موسكو لا يعني أن القمة فشلت، فمجرد انعقادها يعتبر نجاحاً للطرفين، وإن بقيت مواقفهما متباعدة في بعض المسائل، فقد الرجلان موقعيهما على المستوى الشعبي في مواجهة الإستبليشمانت في كلا البلدين: بوتين بدا في نظر الروس عائداً بقوة إلى المسرح الدولي نظيراً لأميركا. وترامب بدا في نظر شعبه الرئيس القوي الذي يتحدى الجميع في عقر دارهم. أذل البريطانيين بخرقه البروتوكول لدى لقائه الملكة إليزابيث، ودعم خصوم تيريزا ماي. وأهان الاتحاد الأوروبي واعتبره «عدواً»، وطالب دول الأطلسي بزيادة دعمها للحلف، وهاجم ألمانيا الدولة الرائدة في القارة. ولم يتنازل في ما يتعلق بأوكرانيا والقرم، ولم يتراجع عن محاصرة روسيا في محيطها.


أما بالنسبة إلى الشرق الأوسط والمسألة السورية فبدا التفاهم بين الزعيمين أكبر من المتوقع.اتفقا، قبل القمة وبعدها، على حماية الدولة العبرية. وجاء الطرح الروسي العودة إلى اتفاقية فك الإشتباك بين سورية وإسرائيل الموقعة عام 1974 مخرجاً «معقولاً» كي تتراجع الأطراف المعنية بالمسألة عن مواقفها المتصلبة. فالدولة العبرية ليست في وارد شن حرب شاملة، لا على إيران ولا على «حزب الله». وهي مكتفية بما حققته الحروب في سورية وعليها من ضعف لهذه الدولة، فضلاً عن تحقيقها هدفاً أكبر بتحويلها إيران إلى عدو للعرب واختراقها السياسي الكبير في محيطها الذي أصبح يجاهر بالعلاقات معها.

سورية من جانبها ترى في عودتها إلى اتفاقية عام 1974 «انتصاراً» لأنها استطاعت، بعد ثماني سنوات من الحروب، العودة إلى الحدود التي كان مخططاً لها ان تتغير بعد انهيار الدولة. أما إيران المنخرطة كلياً في الحرب فليس من مصلحتها إغضاب روسيا بشن حرب على إسرائيل وتخريب كل ما أنجزته موسكو في هذا البلد. وكانت لافتة تصريحات مستشار المرشد علي أكبر ولايتي الذي قال إن طهران مستعدة «لسحب مستشاريها» من سورية حين تطلب دمشق ذلك. فهذا هو الشرط الأساسي الذي وضعته إسرائيل للتغاضي عن دخول الجيش السوري إلى درعا والقنيطرة والتمركز عند الحدود الخاضعة للقرارات الدولية وللمفاوضات.

أما الاحتلال الأميركي لجزء من الأراضي السورية فليس مشكلة كبيرة بالنسبة إلى ترامب، وكلنا يتذكر تصريحاته السابقة عن الانسحاب وعودة «الأبناء إلى بيوتهم». ولا ننسى أيضاً نزعته إلى عدم خوض الحروب. والعكس صحيح فأركان الإدارة التقليديون في البيت الأبيض والكونغرس، بحزبيه الجمهوري والديموقراطي، لديهم النزعة الحربية. وجاء ترامب ليعتمد «التفاهم» مع الأعداء (كوريا الشمالية نموذجاً) حيث أمكن من أجل «أميركا أولاً»، ما قلب كل المعادلات في الداخل والخارج، وضرب المؤسسة السياسية في عمق أيديولوجيتها الراسخة منذ عقود طويلة.

لقاء ترامب- بوتين بداية تفاهمات كبرى ترسم ملامح الشرق الأوسط لعقود مقبلة. تفاهمات تضمن أمن إسرائيل وتراعي مصالح تركيا وإيران. أما العرب فغارقون سعداء بربيعهم الزاهر.