صفوق الشمري

ما حال سابك دون اللقيم المدعوم؟ وما أرباحها مقارنة بالشركات الكيماوية الكبرى؟، وهذا ينطبق على أرامكو التي هي أحسن حاليا من سابك، لكن لغة الأرقام لا ترحم أكبر منتج للنفط في العالم

«المنافسون هم من يبقونك نشطا وديناميكيا» موستاك كوبانلي. 
جاء الخبر الذي تفردت به «رويترز» أولا مفاجئا لكثيرين، وهو أن أرامكو في محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة، للاستحواذ على حصة إستراتيجية من سابك. 
قد لا يكون مفاجئا أن تنفرد وسائل الإعلام العالمية بأخبار السعودية المهمة، كما جرت العادة، مثل «بلومبيرج» و«رويتر»، خصوصا في ظل ميل إعلامنا الداخلي إلى التقليدية وعدم البحث المكثف عن الحصريات، لكن هذا الخبر قد يراه البعض إيجابيا، فإن لي وجهة نظر مختلفة، أنا أؤمن أن النجاح والاستمرارية لا يأتيان إلا بالمنافسة، وأن هذا الاستحواذ سيلغي المنافسة الإيجابية التي كنا نتمناها بين أرامكو وسابك.
أميركا حافظت على الصدارة في كثير من المجالات خلال المنافسة، مايكروسوفت ضد أبل، ياهو ضد جوجل.... إلخ. 
في بداية الألفية، عندما كانت مايكروسوفت مسيطرة بغالبية واضحة على السوق العالمي، رفعت الحكومة الأميركية دعوى شهيرة ضد مايكروسوفت، بسبب الاحتكار، لكن البعض مستغرب كيف الحكومة الأميركية تعرقل أهم الشركات الأميركية في حينه، والتي تدفع ضرائب كبرى، والشركة التي جعلت أميركا المسيطرة على مجال الكمبيوترات والبرامج، لكن الحكومة كانت لديها نظرة أبعد، وهو أن الاحتكار سينخر إبداع وأداء الشركة، وربما ستأتي شركة من خارج أميركا وتتصدر المشهد، لكن إذا أبقت أميركا السوق مفتوحا للمنافسة ربما ستأتي شركة أميركية أخرى لتنافس، وهنا كانت أبل، فبقيت أميركا المتصدرة، والحالة نفسها حدثت مع ياهو وجاءت جوجل بعد سيطرة ياهو السابقة على البحث والإيميل. 
لا شيء يدفع الشركات إلى التطور والإبداع والتوسع مثل المنافسة، ولا شيء ينخر الشركة ويرهّلها إلا الاحتكار وعدم المنافسة. 
بدأت سابك خطاها كشركات بتروكيماويات أساسية في سنواتها الأولى، لكن للأسف استكانت لهذا الدور، خصوصا في وجود الدعم الحكومي الهائل، كانت الأرباح كبيرة للغاية، وفي فترة كان الدعم الحكومي للّقيم أكثر من 90% مقارنة بالسعر العالمي، فاعتمدت على هذا الدعم. 
مؤخرا، بدأت سابك تتطلع بجدية إلى التنويع، وإضافة مواد ذات قيمة مضافة، وركزت على الأبحاث والتوسع، لكن كان الوقت متأخرا بعض الشيء، لغة الأرقام لا ترحم سابك، لو قارناها بشركات الكيماويات المقاربة لها مثل: باسف الألمانية، أو داو الأميركية، نجد أرباحا كبرى وكفاءة تشغيل وتنوع هائل، دون دعم أو لقيم مدعوم، كم يا ترى ستكون أرباح سابك لو كانت تأخذ اللقيم بالسعر العالمي؟ حتى مصانع سابك من الجيل القديم لم تأخذ كفاءة الإنتاج في الحسبان لأن اللقيم كان مدعوما. 
أرامكو لديها تشابه مع سابك، هي أكبر شركة نفط في العالم، الاحتياطات السعودية الثاني عالميا، وتنتج ما يقارب من 10 ملايين برميل تزيد أو تنقص، وتكلفة الإنتاج من الأقل في العالم، بسبب سهولة استخراج النفط السعودي نسبيا، لذلك هي الأعلى ربحية، لكن لو قارنا أرامكو بشركات النفط الكبرى نجد أن الدخل متقارب، رغم أن إنتاج أرامكو أضعاف إنتاجهم. صحيح أن الربحية لدى أرامكو أعلى، بسبب رخص سعر الاستخراج، لكن بقية الشركات نوعت أنشطتها في سلاسل متعددة من الطاقة والتوزيع، كي ترفع دخلها ليكون مقاربا لدخل أرامكو، رغم الفارق الكبير في الإنتاج. 
صحيح أن أرامكو بدأت في التوسع في المصافي والبتروكيماويات، وقد كتبتُ قبل عدة سنوات كنت أطالب بجعل أرامكو للطاقة المتكاملة، من الطاقة الأحفورية بكل مراحلها المنبع والمصب، وسلسلة التوريد وأنواع الطاقة الأخرى، كالطاقة الشمسية والنووية، وحتى أرامكو الصناعية، والحمد لله جاءت الرؤية، وبدأنا نرى تحرك أرامكو، بدأت أرامكو قبل سنوات بعمل توليفة عمل جميلة، وهي الدمج بين المصافي والبتروكيماويات، وأحسسنا بالتفاؤل، خصوصا هدف 8 -10 ملايين تكرير، وأملنا أن تكون هناك منافسة كيماوية بين سابك وأرامكو، مما يدفع الشركتين إلى الأمام، ويحسّن كفاءة الإنتاج والتطوير ويوسع الأفق، حتى عندما أتى مشروع «النفط- إلى- كيماويات» تفاءلنا وقلنا رغم التنافس إلا أن هناك أوقاتا يتفق المتنافسون على ما يخدم الطرفين، لكن أتى خبر الاستحواذ كأنه رجوع عن فكرة التنافس المحمود بين الطرفين في القطاع الكيماوي. 
كم كنت أتمنى أن يبقى التنافس متّقدا بين الطرفين، بما سيخدم الاقتصاد السعودي ككل، وأن تستحوذ أرامكو على شركات كيماوية كبرى عالمية، أو تكوين شراكات أخرى مثل صدارة مع داو، بدل أن تستحوذ على سابك. 
نعم، أتفق أن سابك وأرامكو تأخّرتا قليلا في التوسع والتنوع، لكن ما زالت هناك فرصة لإعادة هيكلة سابك وفطمها من دعم اللقيم والانطلاق عالميا. 
للأسف، سيناريو سابك نفسه الآن يحدث في معادن، وبعد سنوات ستكتشف أن أي شركة لا تتطور وتعتمد على المواد الأساسية، ولا تنتقل إلى سلاسل القيمة المضافة والتنوع، ستضعف، والدعم الحكومي لن يبقى للأبد.
أتمنى أن يعاد النظر في استحواذ أرامكو على حصة في سابك، وإلا سيبقى فطم سابك عسيرا، خصوصا إذا انتقل الإطعام بالملعقة «سبون فيدنج» من الحكومة إلى أرامكو، فلن تتطور سابك. 
أعلم أن البعض قد لا يعجبه حديثي عن سابك، وسيقول كم ألف منتج تصنع سابك، لكن أنا أؤمن بلغة الأرقام والمقارنات. ما حال سابك دون اللقيم المدعوم؟ وما أرباحها مقارنة بالشركات الكيماوية الكبرى؟ 
وهذا ينطبق على أرامكو التي هي أحسن حاليا من سابك، لكن لغة الأرقام لا ترحم أكبر منتج للنفط في العالم والأرخص استخراجا، ولكن دخله السنوي مقارب لبقية الشركات التي لا تنتج ولا تملك جزءا من مخزوناته. 
تقول نانسي بيرسي «المنافسة شيء جيد، إنها تجبرنا أن نفعل أفضل ما لدينا».