عزة السبيعي

نشأ المذهب الشافعي في مكة والمدينة بعيدا عن الثقافات المتنوعة في العراق والشام ومصر ناهيك عن الطبيعة الخضراء والأنهار، والتي تؤثر قطعا في الإنسان، لذا أصول مذهبه لا تتجاوز الكتاب والسنة والقياس والإجماع، بل إنه رفض مبدأ أو أصلا جميلا كان منفذا للضوء لإغناء الفقه الإسلامي، وهو الاستحسان فقال «من استحسن فقد شرع» 

على عكس المذهب الحنبلي والحنفي، اللذين نشآ في بلاد الرافدين، حيث البيئة الثقافية المتنوعة والخضرة والأنهار والحضارات، التي تطل من كل جانب.
على كل حال هناك جملة قرأتها تتردد كثيرا حول مساندة الإمام الشافعي رحمه الله للفنون، ولقد استوقفتني فعلا من أين أتت هذه الفكرة، ومن ادعاها أولا وعلى ماذا استند في ذلك؟
إذا كان المقصود بالفنون الموسيقى فلا يوجد للشافعي رأي في إباحتها أو التساهل مع من يقبلها، وإذا كان المقصود بالفن الغناء دون آلات، وهو الذي حدث فيه خلاف بين الفقهاء الأربعة، كان الشافعي أكثرهم رفضا له قال ابن القيم: (والشافعي وقدماء أصحابه، والعارفون بمذهبه من أغلظ الناس قولا في ذلك) إغاثة اللهفان [ص350].
لكن ماذا قال الشافعي بنفسه في كتابه الأم أي كتابه وفقهه الذي جدده بعد زيارة العراق وحضارته ومصر وعظمتها، يقول في كتاب الأقضية أحد أجزاء الأم: [في الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعته يؤتى عليه ويأتي له، ويكون منسوبا إليه مشهورا به معروفا، والمرأة، لا تجوز شهادة واحد منهما؛ وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل، وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السفه وسقاطة المروءة، ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفا].
لاحظ أنه غناء دون استعمال الموسيقى جعله الشافعي سببا في حرمان المغني من قبول الشهادة ومضى يصفه بالسفه وقلة المروءة، رغم أن حكمه مكروه لعدم وجود الدليل، ولكن اعتقادا منه أنه يصرف مهما كان عن ذكر الله عز وجل.
على كل حال كرأي شخصي الفقه لا يؤثر في الناس كثيرا فمع احترام الأمة الإسلامية للفقهاء الأربعة ورأيهم في الموسيقى ظهر مئات المغنين والعازفين والشعراء ورقص الناس وغنوا وعرضوا في كل مكان في عالمنا الإسلامي إلا في فترات اجتماع الناس موجات تدين كفترة الثمانينات، التي استغلها الحركيون لأنهم يعلمون أن الفنون هي اللغة التي تجمع البشر من كل لون وجنس وملة وطائفة وهم لا يكون لهم مكان بدون الكراهية والحروب والافتراق.