هاني الظاهري

ليس هناك ما هو أكثر دلالة على جنون السلطات الحاكمة في الدوحة وانزلاقها إلى درك الطاغوتية الأسفل من مقاطع الفيديو التي يسجلها وينشرها عبر الإنترنت أزلام النظام القطري هذه الأيام لتحذير القطريين من مجرد التفكير في الحج إلى بيت الله، واعتبار كل مواطن قطري مسلم يقرر تلبية نداء ربه هذا العام عميلاً وخائناً بل والتلويح بالتنكيل به عند عودته بدون ارتكابه أي جريمة عدا أن روحه هتفت إيمانا: «لبيك اللهم لبيك»..

هذا الجنون القطري ليس الأول من نوعه في التاريخ، بل هو نهج الطغاة والمصابين بجنون العظمة على مر العصور، وأحيي من كل قلبي الزملاء في «عكاظ» الذين نشروا تقريراً أمس الأول حمل عنواناً معبراً عن هذه القضية هو «أبرهة القطري يعرقل حج مواطنيه بالحجب والوعيد»، فاستحضار التاريخ في هذا الجانب قد يكون أمراً مفيداً لإفاقة مخابيل «قصر الوجبة» مما هم فيه، لكنني أشك حقاً في أنهم قادرون على الخروج من الوحل الذي غرقوا فيه حتى وصل إلى أعناقهم منذ بداية الأزمة الخليجية وعقب إعلانهم الولاء لمرشد إيران الأكثر جنوناً من أبرهة نفسه.

بعد أبرهة حاول القرامطة صد المسلمين عن الحج إلى بيت الله وقطعوا عليهم الطرق وآذوهم بكل السبل حتى بلغ جنونهم ذروته عام (317هـ / 908م) عندما هاجموا مكة المكرمة في شهر الحج وسفكوا دماء الملبين والركع السجود بجوار الكعبة، وتذكر المصادر التاريخية أنهم قتلوا نحو 30 ألف حاج، واستباحوا الأموال، واغتصبوا النساء في الطرقات، وردموا بئر زمزم بالجثث وانتزعوا الحجر الأسود من مكانه ونقلوه إلى ديارهم، كل هذا حدث نتيجة لاعتقادهم الضال بأن الحج عادة وثنية وأن الحجاج ليسوا سوى جهلة وكفار ومشركين، وهذا الاعتقاد الخبيث لم ينشأ لدى أولئك المخابيل بين يوم وليلة، وإنما تم بناؤه وتطويره وترسيخه عبر سنوات، إذ بدأ الامتعاض من الحج لدى القرامطة نتيجة للخلافات السياسية بينهم وبين الدولة الإسلامية التي تقع مكة تحت سلطتها، وعلى خلفية ذلك الخلاف السياسي منع الحاكم القرمطي المجنون أتباعه من الحج خوفا من التقائهم بالمسلمين وانقلابهم عليه، وعندما عجز عن ذلك أوعز لكهنته بصناعة الفتاوى التي تجرّم الحج وتعتبره من قبيل عبادة الأوثان وتنفي صلته بالإسلام، ليتهيأ له لاحقا ارتكاب جريمته الشنعاء التي لا يمكن أن ينساها التاريخ.

حكومة قطر اليوم تعيش في المرحلة الأولى من مراحل الجنون القرمطي، وهي بالطبع أصغر بكثير من أن تتجاوز هذه المرحلة التي تتمثل في الامتعاض من الحج ومحاولة صد القطريين عنه بكل السبل، وعلى رأسها التهديد والوعيد، وهي تفعل ذلك لأنها تورطت في أكذوبة كبرى روجتها في المحافل الدولية زاعمة أن المملكة العربية السعودية تمنع الحجاج القطريين من أداء فريضتهم، وبالتالي فإن وصول حجاج قطر إلى مكة المكرمة يعني سقوط هذه المزاعم وتعرّي السلطات القطرية أمام العالم أجمع، وهذا ما سيحدث بالفعل وإن كره القرامطة الجدد.