أمين ساعاتي

 حينما قرأت التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة عن عدد السكان في العالم، الذي تجاوز عشرة مليارات نسمة، وألمح بأن العالم سيصدم بكارثة إنسانية عندما يتجاوز 11 مليارا و200 مليون نسمة بحلول عام 2100.. شعرت وأنا أقرأ التقرير بالهلع والخوف من هول المشكلة التي تتوقعها المنظمة الدولية، وارتسمت في مخيلتي حجم الكارثة البشعة التي سيواجهها العالم بعد نحو 80 سنة من الآن، ولا سيما أن العالم بدأ يعاني نقصا في الموارد الزراعية، وأن معدلات الفقر تتزايد، وأن الأمم المتحدة سجلت نحو مليار نسمة تحت خط الفقر في العام قبل الماضي. إذن، رؤية المنظمة الدولية، أن عدد السكان فوق الكرة الأرضية في تزايد مريع، وعدد الفقراء فوق الكرة الأرضية في تزايد مريع جدا، ومع انتشار الفقر تنتشر البطالة، وترتفع معدلات الجرائم والمتاجرة بالمخدرات، ويغيب الاستقرار والأمن في كل أنحاء العالم.

ولذلك، فإن العالم يتجه إلى معضلة جعلت كثيرا من المفكرين والسياسيين يتحدثون عن ضرورة خفض أعداد السكان بكل الوسائل.. للتخفيف عن كاهل الأرض من هذا الحمل الثقيل من الأعداد المتزايدة بشكل يفوق الإمكانات المتاحة فوق كوكب الأرض. وبالمناسبة، إن هيكل السكان في المملكة يعاني عيوبا هيكلية حان الوقت كي نعمل على إصلاحها، فعدد السكان مقارنة بالأرض يعد قليلا، لكن مع الأسف نعاني ما تعانيه الدول غفيرة السكان، الضيقة المساحة، أي أننا نعاني البطالة، وبالذات بالنسبة للسيدات، ومع ذلك نستقدم ملايين الأيدي العاملة من الخارج، ولم ننجح في وضع الخطط لتدريب وتوظيف العمالة السعودية المتاحة، وكان المفترض أن يكون التشغيل للعمالة السعودية بنسب عالية، وأن تكون المهارات عالية جدا، وألا تتجاوز العمالة الأجنبية هذا الرقم الخيالي الذي بلغ 12 مليون بني آدم! ومع تقديري واحترامي لتقرير منظمة الأمم المتحدة، فإن المطروح لمواجهة الزيادة المجنونة في عدد السكان في العالم، هو زيادة معدلات التدريب ونشر التعليم والتوسع في نشر تكنولوجيا المعلومات، ورفع مهارات الإنسان حتى ترقى الأفكار إلى الابتكار، وتضع الحلول للموارد الشحيحة والوقوف على الموارد البديلة التي تعالج كثيرا من المشكلات التي يعانيها الإنسان فوق كوكب الأرض.

بمعنى، أن مشكلة الانفجار في عدد السكان هي مشكلة "فكر" وليست مشكلة "تعداد"، فإذا تمكنت الحكومات من نشر التعليم والتدريب الذي تطلبه سوق العمل ووفرت المهارات التي تحتاج إليها المجتمعات، ووضعت الخطط الموضوعية، فإن هذه الكفاءات كفيلة بالوصول إلى حلول ناجعة لمشكلات الانفجار السكاني، إما عن طريق لجم الانفجار أو بالوصول إلى موارد تحقق التوازن في المجتمعات وتبعد عن العالم شبح الكارثة السكانية! إن الثورة الاصطناعية التي ازدهرت في القرن الـ21 هي إبداع إنساني، قلب النظام الوظيفي في الحياة رأسا على عقب، وأوجد وظائف جديدة للمجتمع، واستطاع أن يحل كثيرا من مشكلات المجتمع بالابتكار والحلول غير التقليدية، بمعنى، أن الثورة الاصطناعية أثبتت أن زيادة عدد السكان ليست كلها طاقة سلبية، إنما يمكن أن تكون أعداد السكان الغفيرة طاقة إيجابية لو اقترنت بالإبداع والابتكار والحلول للمشكلات التي تواجهها المجتمعات. مرة أخرى، إن مشكلة الزيادة في عدد السكان هي مشكلة "فكر"، وليست مشكلة "تعداد"، فإذا تمكنت الحكومات من نشر التعليم والتدريب، والتقطت المواهب وفتحت أمامها آفاق المستقبل، فإن الزيادة في عدد السكان تصبح نعمة وليست نقمة، وواجب الحكومات، هنا، هو وضع خطط الموارد البشرية الكفيلة برفع القدرات وزيادة مساحات الابتكار في المجتمع، والخروج بمجموعة مشاريع كفيلة بتحويل المجتمعات من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات منتجة تضيف إلى الناتج القومي الإجمالي ما يدعم مسيرة الاقتصاد الوطني. وهنا، يجدر عدم الخلط بين مشكلة الزيادة في عدد السكان، ومشكلة البلادة في السكان، فالزيادة في عدد السكان إذا اقترنت بزيادة الكفاءة ورفع المهارة، فإنها تصبح خيرا كثيرا، بينما إذا كانت عددا وافرا دون تعليم وتدريب واكتشاف للمواهب والمهارات، كما هو الحال في كل الدول المتخلفة، فإنها تصبح وبالا وتكدسا بشريا يحمل كثيرا من المشكلات، كذلك يجب ألا نخلط بين الزيادة في الانفجار السكاني على مستوى العالم، والزيادة في عدد السكان وأنواع السكان في داخل الدولة الواحدة، والقضية ليست قضية عدد والسلام، لكن القضية قضية عدد ومهارات تسهم في علاج المشكلات التي يتضور منها المجتمع، وتسهم في وضع الحلول الناجعة التي ترتقي بالمجتمع وتقوي اقتصادياته وتضاعف ثرواته وأمواله. ولذلك، فإن الله سبحانه وتعالى كلف الإنسان بعمار الأرض وبنائها، وليس مجرد أن يأتي الإنسان إلى الوجود من أجل الوجود، إنما يجب أن يأتي إلى الوجود بهدف بناء وعمار الأرض، ولذلك، قال الله سبحانه وتعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، صدق الله العظيم. والخلاصة، أننا نحترم الأرقام التي وردت في تقرير المنظمة الدولية، لكن حكومات الدول المتقدمة أثبتت بأنها تعاني قصورا في عدد السكان، بينما حكومات الدول المتخلفة ساعدت على بقاء الناس في بيوتهم والانشغال بالإنجاب وزيادة أفراد الأسرة!