فيصل العساف

أظهر تحقيق صحافي بثته قناة BBC البريطانية، ضخامة المبلغ الذي بذلته الحـــكومة القـــطرية لإرهابيين قاموا باحتجاز عدد من مواطنيها في العراق، ويبدو أن الرقم الكبير الذي نحن بصدده، في طريقه إلى سحب البساط من تحت رواية الترف المزيفة: «الصيد» في بلد تمزقه الصراعات! هل كان القطريون مضطرين إلى دفع فدية التاريخ التي تخطت حاجز البليون دولار؟.

تحقيقات BBC كشفت أن مقاومة الدوحة للمجرمين في معركة ابتزازها كانت «صفرية» بامتياز، إذ بدا المسؤولون القطريون عن ملف التفاوض -وفق التسريبات الصوتية والنصية- في هيئة جباة، لا يعصون الخاطفين بما أمروهم ويفعلون ما يؤمرون به. في سبيل 20 قطرياً، قدمت قطر للإرهابيين الأموال الطائلة، إلى جانب آلاف السوريين الذين تواطأت ضدهم حتى هُجروا من قراهم قسراً لمصلحة جلاديهم، في مشهد مؤلم، يذكر بمشاهد الفوقية والتمييز حين تتم مبادلة مئات الأسرى العرب في سجون الاحتلال، برفات جندي إسرائيلي واحد مات قبل عشرات السنين!

هل يمكننا النظر إلى هذه القصة باعتبارها «لعبة» قطرية استخبارية محضة؟ تبدو هذه الفرضية أقرب إلى الحقيقة في ظل معطيات BBC، وأيضاً عند النظر إلى تاريخ تنظيم الحمدين المثخن بالتآمر، يمكن القول صراحة أن المسألة برمتها لا تتعدى العبث بالمقررات الدولية على طريقة «غسل الأموال»، ومعرفة قطر الدقيقة بماهية الخاطفين وتبعيتهم التامة إلى إيران يقوي جانب هذه الفرضية، وإلا ما فائدة الحلف القطري- الإيراني المتين ما دام يخذل الدوحة بهذا الشكل المهين في مواجهتها «العادلة»، ضد عملاء الولي الفقيه الذين يسبحون بحمده ويخضعون له! لقطر حساباتها السياسية الخاصة بعيداً من الجميع، بما في ذلك أميركا التي يهدد القطريون أمن جيرانهم من خلف قواعدها؛ لقد ظن الحمدان أن بإمكانهما الإمساك فبجميع الحبال دفعة واحدة، لكن جغرافية القوة والتاريخ والمعاملة بالمثل كانت لهم بالمرصاد، عندما قررت أخيراً كبح جموح رغباتهم المسكونة بالرهاب.


ميزان قطر السياسي المختل له مبرراته التي تقطع الطريق في شكل نهائي أمام كل اجتهادات التفاهم معها، وتجيب على السؤال الأبرز في هذا الخضم وهو: لماذا تخضع قطر لمجرمين وتتعنت في الوقت ذاته تجاه مطالب (أشقائها) المستحقة؟ لم يترك رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم فرصة لاستنتاج هذه المبررات ولا للاجتهاد في تحليل هذا الموقف المتباين، إذ كتب قبل أيام على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يعترف بأن بلاده «لا تحترم أي تعهدات أو قوانين بيننا كعرب أو خليجيين»، وتلتزم في المقابل بمثيلاتها التي مع الغرب. وعن السبب يذكر بكل وضوح أن «من أمن العقوبة أساء الأدب»! (سموه) يقول بالفم الملآن إن الدول العربية والخليجية لا تستحق منهم الاحترام ولا الوفاء بالتعهدات ما دامت لا تضرب بعصا العقوبة. في شكل عام، الوزير والسياسي القطري «المحنك» يثبت بتصريحاته هذه صحة وجهة النظر الحازمة التي تنتهجها «رباعية» المقاطعة ضد بلاده، إذ إن العقلية السياسية في قطر يبدو أنها تسير على طريقة المثل المصري الشهير: «ناس تخاف ما تختشيش».