وليد شقير

كان لا بد من أن يتعرض اتفاق هلسنكي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب للاختبارات الدراماتيكية. الاختبار الأكثر بشاعة هو تلك المجزرة المرتكبة في مدينة السويداء والتي أُعلن أن «داعش» تبناها، وقبله إسقاط طائرة «سوخوي» السورية فوق الجولان المحتل...

على أهميته في السعي إلى تطبيق خريطة طريق قيل أنهما رسماها من أجل استقرار الوضع في سورية على معادلة ما، كانت مقدمات اتفاق الرئيسين مؤشراً إلى حصوله. لكنه اتفاق يتناول أدوار دول على الساحة السورية المشرعة الأبواب منذ أكثر من 7 سنوات. هي أبواب شرعها الروس والأميركيون أنفسهم، فغرقوا في الفوضى التي صنعوها بأيديهم. ولذلك من الطبيعي أن يتساءل المتابعون لتفاصيل ما اتفق عليه في هلسنكي عما إذا كان كافياً، وعما إذا كانت الدولتان الكبريان قادرتين على أن تنوبا عن القوى الإقليمية وأن تلزمانها بكل الخطوات.

سبق الاتفاق تفاهم موسكو وواشنطن على أولوية أمن إسرائيل في الجنوب السوري، ثم تسليم إسرائيل بأن بقاء بشار الأسد في السلطة أفضل لها لضمان أمنها على الحد الفاصل في الجولان المحتل، طالما جرى تبني مطلبها إبعاد إيران عن الحدود. وعلى رغم أن بنيامين نتانياهو لم يكتف بداية بأن تكون مسافة الإبعاد 100 كيلومتر عن الجولان، بحجة أن لديها صواريخ مداها أكثر من تلك المسافة، فإنه عاد وسلم بالاقتراح الروسي بعدما أبلغه بوتين أنه في هذه الحال، يجب إبعاد إيران نفسها جغرافيا، لأن لديها صواريخ يمكنها إصابة إسرائيل إذا أطلقت من أراضيها وليس من سورية. 

سلمت إسرائيل بمسافة الـ100 كيلومتر بناء على الوعد بأن قرار الانسحاب الكامل لإيران والميليشيات التابعة لها من سورية سيأتي، وأن موسكو تتعهد حصوله. فالتفاوض الروسي- الإيراني أثناء زيارة مستشار المرشد في طهران علي أكبر ولايتي لموسكو قبل أسبوعين، (بالتزامن مع زيارة نتانياهو لبوتين) أفضى إلى التفاهم على تلك المسافة، وحتى على أن فكرة الانسحاب من سورية آتية. كان ما يهم الجانب الإيراني في تلك المفاوضات أن تستخدم روسيا الوجود الإيراني في سورية ورقة من أجل التفاوض على الانسحاب الأميركي والتركي أيضاً. 

من الطبيعي أن يسعى القادة الإيرانيون إلى كسب الوقت والمناورة، فيما يثق الكرملين بأن في إمكانه التوافق مع أنقرة وواشنطن على سحب قواتهما من سورية إذا تقدم تطبيق التفاهمات التي توصلا إليها في هلسنكي ثم في لقاءات أخرى قد تتم قبل القمة المقبلة مع ترامب. واجتماع آستانة المقرر الاثنين المقبل مناسبة لمفاتحة أنقرة بالتهيؤ هي الأخرى لترتيبات تقود إلى انسحابها خلافاً لأنباء عن نية تسليمها المنطقة الشمالية وصولاً إلى حلب. كررت طهران فكرة الإفادة من ورقة وجودها لسحب القوى الأخرى، حين زارها موفد بوتين الخاص في الأزمة السورية ألكسندر لافرنتييف، لإبلاغها بتثبيت قمة هلسنكي قرار ابتعاد قواتها 100 كيلومتر عن الجولان، والتهيؤ للانسحاب الكامل لاحقاً الذي ربطته بطلب الحكومة السورية منها تنفيذه.

تثق موسكو بقدرتها على انتزاع هذا الطلب من الأسد، بحيث سيأتي يوم يشكر فيه كل من ساعده، لا سيما إيران و «حزب الله»، ليتمنى عليهما سحب قواتهما. وثمة من يقول أن من التعويضات لطهران، وجودها الاقتصادي في سورية ومساهمتها في إعادة الإعمار، بدليل القرار السوري إعفاء كل البضائع الإيرانية التي تستوردها دمشق من الرسوم والضرائب على أنواعها حتى آخر العام. هل تكتفي طهران بذلك؟

في الانتظار يبدو أن النقطة الجوهرية والمهمة في اتفاق هلسنكي، إضافة إلى خطة البدء في إعادة النازحين الذين يريد نظام الأسد تأخيرها قدر الإمكان لأن همه الاطمئنان إلى خضوعهم له، هي قرار إقفال الطريق بين طهران ودمشق عبر إقفال الحدود العراقية- السورية التي جهدت طهران طوال العام الماضي لإبقائها مفتوحة وتمكنت من السيطرة عليها من جهة معبر «البوكمال»، مقابل تمركز القوات الأميركية على جانب منها عند معبر التنف. فواشنطن وإسرائيل تصران على وقف تدفق الأسلحة والمقاتلين من هذه الحدود. ولربما دفع «قوات سورية الديموقراطية» ذات الغالبية الكردية، والمدعومة من واشنطن، نحو هذه الحدود، إحدى صيغ تنفيذ هذا القرار في وقت فُتح التواصل بين الأكراد والنظام.

في المشهد الإقليمي المقلق للحرس الثوري، إذا أضيفت إليه انتفاضة العراقيين، يأتي الرد بإقفال مضيق باب المندب واستهداف ناقلات النفط رداً على إقفال طريق العراق- سورية. وليس مستبعداً أن يكون هناك من أراد توجيه رسالة اعتراض على الاتفاقات أيضاً، عبر مجزرة السويداء.