بعد مناقشات طويلة دامت نحو شهرين كاملين، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والسبعين المنعقدة حالياً في نيويورك، في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الجاري،التصويت النهائي، على مشروع قرار يدعو الى حظر إستخدام أسلحة اليورانيوم بأغلبية دول الحاضرة.. نص القرار سينشر لاحقاً..

توضيحات أولية

في هذه المناسبة، أوضح التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم (ICBUW) ،الذي كان ممثلوه يتابعون الأحداث في أروقة الأمم المتحدة يوم بيوم، في تقرير له، العديد من الأمور ذات العلاقة بالقرار الجديد، الذي هو من قدم مشروعه للجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2007 ، نيابة عن أكثر من 160 منظمة من 33 بلداً في أرجاء العالم، ودعمته، في الدورة الحالية،العديد من منظمات المجتمع المدني العراقية في الداخلوالخارج، مثل: جمعية قدامى المحاربين العراقيين،منظمة حرية المرأة في العراق،النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين، شبكة العلماء العراقيين في الخارج (NISA)، إتحاد الجمعيات العراقية في السويد،لجنة البيئة والصحة العراقية لرابطة الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة،لجنة الدفاع عن حقوق الانسان-استراليا،لجنة المواطنة لحقوق الأنسان- العراق،مركز الحقوق الدستورية، الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب، وغيرها..

خضع نص القرار الجديد للعديد من التعديلات بهدف إضعافه من قبل الدول المصنعة والأكثر إنتاجاً وإمتلاكاً وإستخداماً لهذه الأسلحة،بزعامة الإدارة الأمريكية،ومارست ضغوطاً على الدول المشاركة في إجتماعات الجمعية العامة.

رغم ذلك أرسلت الدول الموقعة على قرار الجمعية العامة رسالةواضحة بأن المخاوف المتزايدة للدول والمجتمعات المدنية المتضررةمن المخاطر الصحية لليورانيوم المنضب، يجب أن تعالج على نحوسليم. ويسلط القرار الضوء على مخاوف الدول والمجتمعاتالمدنية المتضررة من إستخدام أسلحة اليورانيوم المستنفد، وكذلك خبراء الصحة، ومنظمات المجتمع المدني، بشأن المخاطر الصحيةالمحتملة من التعرض لليورانيوم المنضب.

ويعترف القرار أيضاً بان البلدان المتضررة من إستخدام أسلحةاليورانيوم تواجه عوائق تقنية ومالية كبيرة في التعامل مع التلوثباليورانيوم المستنفد الناجم عن إستخدام أسلحته ومعالجته فقاًلمعايير الحماية من الإشعاع المعترف بها دولياً.

القرار الجديد أيدته 151 دولة (بزيادة دولة واحدة عن الدول التي صوتت الى جانب القرار في الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة في عام 2014)، وعارضته 4 دول، كالعادة، وإمتنعت 24 دولة عن التصويت.. الجدول المرفق أعده ICBUW ويوضح أسماء الدول ومواقفها أثناء التصويت:

 

قرارات من دون إلتزامات وفعل

بمناسبة صدور القرار الجديد،صرح المنسق الدولي لـ ICBUW دوغ وير،الموجود في نيويورك هو وزميله ويم زويجنينبورغ لمتابعة ما يجري بشأن الموضوع في أروقة الأمم المتحدة : " في الوقت الذي نرحب فيه بإعتراف الحكومات فينهاية المطاف فعلياً بالمخاوف الجدية للمتضررين من أسلحةاليورانيوم بشأن ما يمثله إستخدامه من مخاطر، لكننا نشهدالقليل من الفعل والإستعداد للعمل من قبل الدول".وأضاف:" انالقرارات وحدها لا تنظف بلداً متضرراً، ولا تساعد مجتمعاتمدنية متضررة من إستخدام أسلحة اليورانيوم المستنفد.. اَنالأوان لتلتزم الحكومات بإلتزامات واضحة ومحددة تعالج إرث مابعد النزاع الذي تستخدم فيه أسلحة اليورانيوم المستنفد ".

وأوضح ICBUW في تقريره: بالرغم من تصويت غالبية الدول على القرار الجديد، بيد ان أقلية من الدول ما تزال تصر على الإمتناع عن التصويت، قرابة 50 في المائة منها هي من أعضاءالأتحاد الأوربي، التي حث برلمانه مراراً جميع تلك الدول علىالتصويت الى جانب حظر أسلحة اليورانيوم.

وإلمستغرب موقف ألمانيا، التي كانت تصوت إيجابياً لصالح القرار، لغاية عام 2014،،بينما إمتنعت هذه المرة عنالتصويت.وعدا هذا،يُنتقد دورها بشكل خاص الذي لعبته فيإضعاف نص القرار وتشجيع دول أخرى على الإمتناع عن التصويت.

وفي هذه الدورة عُقِدت آمال كبيرة على كندا لتصوت هذه المرةلصالح القرار إنطلاقاً من موقف الحزب الليبرالي JTLP الحاكم الذي كان معارضاً بشكل علني لإستخدام أسلحة اليورانيوم، إلاأن ذلك لم يحصل، لأن هذه السياسة-كما يبدو- أسقطتهاالحكومة الحالية.

أما الدول المعارضة للقرار،فقد ظل عددها كما هو،4، وهي:الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسرائيل .

وقد لوحظ هذه المرة ،على غير العادة، ان تصوت الجبل الأسودلصالح القرار في الجولة الاولى، وتمتنع عن التصويت في الجولةالثانية. وذات اللعبة مارسها جنوب السودان..

والجدير بالذكر، ان التصويت في الجولة الأولى، في مطلعتشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، جاء بأيام قلائل عقب أعترافالولايات المتحدة بإستخدامها لأسلحة اليورانيوم على سوريا، مماأثار إهتماماً برلمانياً وإمتعاض العديد من الدول،لاسيما تلك التي هي جزء من التحالف الدولي،الذي يضم بريطانيا وبلجيكاوهولندا ونيوزلندا ،التي لم تكن تعلم-كما يبدو- بهذا الإستخدام.

من جانبها،عبرت روسيا عن غبطتها لهذه الواقعة،وإستغلتالفضيحة دعائياً، مع أنها تمتلك في ترسانتها الحربية خزين من أسلحة اليورانيوم المنضب.ورغم هذا،إمتنعت،من جديد، عنالتصويت على لبقرار الجديد للجمعية العامة بشأن تلك الأسلحة..

خطوة قد تكون لها تبعات إيجابية

في خطوة قد تكون لها تداعيات لتطوير التزامات ما بعد انتهاءالنزاع لإزالة اليورانيوم المنضب، كانت المخلفات السامة والخطرةللحرب على جدول أعمال اللجنة السادسة للجمعية العامة،وهياللجنة التي تختص بالمسائل القانونية الدولية وتناقش المبادئالقانونية التي ينبغي أن تحكم حماية البيئة بعد النزاعاتالمسلحة. بينما القرار بشأن أسلحة اليورانيوم المنضب كان يناقش في اللجنة الأولى للجمعية العامة،التي تختص بنزعالسلاح ومسائل الأمن الدولي ذات الصلة.. مطروح على اللجنة السادسة مسودة معالجة المخلفات السامة للحرب مبدأياً،اقترحتها لجنة القانون الدولي، وأيدتها العديد من الدول، رغمتسجيل الولايات المتحدة وإسرائيل وهولندا لاعتراضاتها علىأي محاولة لتوسيع تعريف مخلفات الحرب، غير المخلفات المتفجرةللحرب. وثمة اثنان من المبادئ الأخرى، مكرسة للتدابير العلاجيةلما بعد النزاع، ولتبادل المعلومات،مطروحة أيضا على جدولالأعمال، وكلا المبدأين من شأنهما ان يساعدا في الإعلام عن ممارصة تطهير اليورانيوم المنضب في المستقبل.

القرار الجديد غير ملزم والمعركة ستتواصل

القرار الجديد للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن أسلحة اليورانيوم، شأنه شأن القرارات السابقة، لن يكتسب الصيغة الألزامية،وذلك لعدم حصوله على إجماعها.إذ ان قرارات الجمعية العامة تستوجب التصويت بالإجماع لتصبح ملزمة..

وهذا يعني ان المعركة ستتواصل بين القوى الخيرة في العالم ،وفي مقدمتها المناهضون لإنتاج وتخزين وبيع ونقل وإستخدام أسلحة اليورانيوم، وبين المصنعين والمالكين لها والمتاجرين بها والمستخدمين لها.. وهي معركة ليست متكافئة في كل الأحوال، وصعبة ومعقدة.. ورغم ذلك سيواصل التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم ومنظماته المعركة بكل عزم وإصرار، مدعوماً من قبل أعداء الحروب ومحبو السلام في العالم، !

ونأمل ان يلعب أنصار السلام وأعداء الحروب والنزاعات المسلحة في العالم العربي دوراً أكبر في سبيل أن يصدر في الدورة الثالثة والسبعين (عام 2018) للجمعية العامة قرار جماعي ملزم يحظر إستخدام أسلحة اليورانيوم !

*أكاديمي عراقي،مقيم في السويد