قد يصدم الموضوع بعنوانه ألكثيرين، لائمين الكاتب لبعده عن ازمات المنطقة بمجازرها وانتهاكاتها ونازحيها، وخصوصا وعراق اليوم في معركة مقدسة ضد داعش في نينوى... أيضا المشاكل ألدولية، والانتخابات الامريكية التي قدمت لنا أسوأ نموذج في شخص ترامب، اما القضية فان الموضوع يستحق وقفه مابين مقالات، تشبه نوعا من محطات الاستراحة والتأمل ونعلم ان المفاضلة بين الانسان والحيوان وموضوع العلاقات بينهما شغلتا حيزا لابأس به من تأملات ونتاجات ادباء ومفكرين قدامى ومحدثين، منهم كتاب عرب كالجاحظ والدميري وابن المرزبان وغيرهم.. هذا وسنرى ان الموضوع يمس السياسة هنا وهناك لان السياسة لا تنفصل عن الاخلاقيات وعن غرائز وهوس العنف والاجتثاث في العمل السياسي. اتذكر كاتبا مصريا نشر في اواسط الاربعينيات عدة مقالات تحت عنوان (أومن بالإنسان) وكنت ممن يعتقدون ان الانسان كجنس لا كأفراد ، هم الارقى في الكون، ومع الزمن صرت أومن بالعكس، وارى ان في الحيوانات الاليفة ، من منزلية وغيرها، صفات وممارسات ارقى مما لدى جنس الانسان ، هذا الجنس الذي ظهر منه الانبياء وكبار المفكرين والمبدعين المصلحين ، ولكن ايضا نماذج بالغة السوء من امثال هولاكو وجنكيز خان وهتلر وستالين وموسيليني وكيم ايل سنغ وصدام وبشار الاسد وبن لادن والبغدادي، ومن لف لفهم من رموز العنف والكراهية واحتقار الانسان وفقدان الضمير.. هؤلاء يخربون ما يبنيه الاخيار ويعرقلون المسيرة البشرية ، ويريقون بحار الدماء بلا تردد او ندم. الحيوان الاليف رمز للوفاء والاعتراف بالجميل عندما تحسن معاملته، بينما اصبح الوفاء والاعتراف بالجميل عملة شبه نادرة بين البشر ، وحتى بين الابناء في التعامل مع الوالدين العجوزين. وقديما قيل ايضا (اتق شر من أحسنت اليه) والحيوان صريح، واضح، وشفاف، بالعكس من النفاق والمداورة والمكر لدى الكثيرين من جنس البشر. حتى الحيوان المفترس اذا كانت جائعا ووجد امامه انسانا منفردا وبلا سلاح، فان نظراته تنطلق بلا رتوش بنواياه. ولكن من البشر من يداهنون، وينافقون، فيمدحون الشخص امامه ويطعنونه من الخلف. والحيوانات الضارية نادرا ما تفترس حين لا تكون جائعة، اما غزيرة العنف لدى جنس الانسان فهي في اعماقه وتنعكس حتى في بعض الالعاب الرياضية العنيفة (الملاكمة او مصارعة الثيران). والإنسان هو من يخرب ويدمر ويبيد الاخرين، كما يحدث في ازمات اليوم، وكما في الحروب. والشخص الذي يعذب حيوانا بلا رحمة مستعد لقتل البشر بلا رحمة. ونتذكر ما كان يفعله فدائيو صدام امام التلفزيون ، حين كان واحدهم يأتي بحيوان اليف ويقتله بيديه وأسنانه، كدليل (كما يتوهم) على البطولة، والحال إنها كانت قسوة تمثل (البروفة) في التعامل مع المعارضين، بل حتى مع عشرات النساء اللواتي كانوا يقطعون رؤوسهن بحجة انهن عاهرات، ثم يعلقون الرؤوس على واجهات دورهن، وكان منهن من كنّ عشيقات بعض الصفوة الحاكمة ، فيقتلونها لطمس الفضيحة. في التراث الفكري والأدبي العربي كثير مما يدخل في تمجيد الحيوان على حساب الانسان. نذكر مثلا فصلا من رسائل اخوان الصفاء هو محاكمة الانسان امام محكمة من الحيوانات، فجاؤوا برجل يرمز للبشر وراحوا يعدون ما يقترفه البشر من مظالم وعذاب في التعامل مع الحيوانات. وقال شاعر صحراوي:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى​وصّوت إنسان فكدت أطير..

وألف ابن المرزبان كتابا بعنوان: (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب). اما الشاعر العراقي احمد الصافي النجفي فقال: "وقالوا فيم نارُ الغيظ تذكو، اذا الانسان باسم الكلب سُبّا؟ فقلت لانهم اعطوه شأنا على ما يستحق سما وأربا".

أخيرا يقول المهاتما غاندي (معيار ألتحضر، كيفية تعاملنا مع الحيوان) ويقول برناردشو: (تحضرنا هو بمقدار ما نبذل من جهد لفهم القط) وتوفيق الحكيم وصف حماره الصغير بـــ(الفيلسوف).

وأخيرا قصة هذا الثور الاسباني المثخن بالجراح في حلبة الموت. من أن يرى صاحبه القديم بين الحضور الذي كان قد باعه حتى يتحامل على جراحه ويتجه نحوه وما ان يصل إليه حتى يحاول يلمسه برأسه وكأنه يريد أن يقول رغم جراحي لم أنس صداقتنا!