هاجس القرصنة الروسية عبر الأطنطي بسرعة الصاروخ ..

أعلنت الحكومة الفرنسية مؤخراً انها ستعمل بكل طاقتها لكي لا تمنح موسكو فرصة التأثير علي إنتخاباتها الرئاسية التي ستشهد البلاد جولتها الأولي يوم 23 ابريل والثانية 7 متيو القادمين .. وقال معلقون ووسائل إعلام محلية أن باريس استوعبت الدرس القاسي الذي لا زال يخيم بظلاله علي البيت الأبيض من ناحية وحفل تنصيب الرئيس ترامب من ناحية أخري ، ومن ثم ستستعد من الآن لمنع أي عمليات اختراق لبنية احزابها السياسية وقواعد ناخبيها بكل قوة وحزم .. 

روسيا متهمة بأنها قامت بهجمات إلكترونية " ساعدت مرشح الحزب الجمهوري علي الفوزبالانتخابات الرئاسية الأمريكية !! من هنا انطلقت المحاذير الفرنسية التي تبنت النظرية التى تقول ان " شعبوية " الرئيس الامريكي الخامس والاربعين " ستجعله " نموذجا يمكن تقليده أو إستنساخه .. انطلقت بشدة محذرة من عواقب صعود مرشحين ينتمون للتيار اليميني المتطرف يروجون لسياسات شعبوية لا تتوافق مع قناعات الشارع السياسي الفرنسي .. 

قطاع واسع من كبار المسئولين الفرنسيين يخشي من النتائج السلبية للإستراتجية الروسية الهادفة للتأثير علي نتائج الإنتخابات الرئاسية القادمة في ضوء ما كشفت عنه الأجهزة الأمنية الأمريكية .. هم لا يعيرون رفض دونالد ترامب لهذه الدعاوي اهتماماًكبيراً ، لأنهم علي قناعة تامة أن " التفكير خارج هذه الفرضية يُعد سذاجة سياسية لم يعد لها مكان في عصر التقنيات شديدة التطور .. 

لذلك .. لم يكن مستغربا أن يثير تَمكُن موسكو –وفق ما سربته السي أي إيه - من تحقيق نسبة عالية من التجسس المعلوماتي علي مستوي الحزب الديموقراطي الأمريكي ، موجه الهلع التى تعيشها فرنسا هذه الأيام علي المستويين الرسمي والشعبي .. 

للإنصاف علينا ان نعترف .. 

1 - ان نسبة كبيرة من هذا الهلع تعود إلي الاسلوب الذي لجأ إليه فرانسوا فيون الزعيم الجديد للحزب الجمهوري الفرنسي تعقيبا علي فوزه برئاسة الحزب قبل نهاية شهر نوفمبر الماضي .. فالرجل لم يكتف بوصف سنوات حكم الرئيس فرانسوا أولاند بانها " كارثية ومثيرة للشفقة " بل نال من تاريخ رؤساء سابقون مدعياً أن حزبه – يمين وسط – يعمل من أجل الحقيقة التى فشل اليمين في الكشف عنها كما اخفق اليسار في التعرف عليها .. 

2 - ان التحقيقات التى أمر الرئيس أوباما في شهر اكتوبر الماضي بالبدء فيها لتحديد مدي مسئولية روسيا حيال الهجمات الإلكترونية التى شنها قراصنة ضد اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي وأقطاب الحملة الانتخابية لمرشحته هيلاري كلنتون وفي مقدمتهم مديرها جون بوديستا ، كشفت عن تورط روسي بلغ حد " التدخل في سير الانتخابات " لصالح مرشح الحزب الجمهوري المنافس .. 

3 – أن إدعاء البيت الأبيض بتمدد الإختراق الروسي حتى وصل إلي قاعدة بيانات الناخبين في ولايتي إلينوي و اريزونا ، لم يحدد لوسائل الاعلام كافة .. لماذا اختار القراصنة الروس هاتين الولايتين علي وجه التحديد ؟؟ .. ولم يعرض عليها ما تحت يديه من إدانات .. 

4 – أن أي من اجهزة التحقيق الأمريكية المختصة بالموضوع لم يتتبع ما ترتب علي دعوة المرشح دونالد ترامب لموسكو - قبل نحو اربعة اشهر من توقيت الاقتراع – البحث والتفتيش عن رسائل هيلاري الإلكترونية !! وما إذا كانت العاصمة الروسية قد استجابت لهذا المطلب ؟؟ وأذا كانت قد شحذت همتها .. فهل عثرت علي ما كُلفت بالبحث عنه ؟؟ .. 

5 – ان تعليقات الرئيس المنتخب علي التقارير التى تُحمل الرئيس الروسي مسئولة قيام أجهزة روسية متخصصة بعملية القرصنة ، وصفت تلك المزاعم بأنها " سخيفة " .. وكثيراً ما قال في تغريداته أنه لا يصدق ما تردده تقارير السي أي إيه ونفي انها تشكل مصدر " قلق لكل أمريكي " .. 

علي الجانب الآخر .. 

وكالة الإستخبارات الأمريكية علي ثقة من دقة تقاريرها .. ونقلت شبكة إن بي سي للأخبار عن مسئوليين أمنيين كبار أن بوتين اعطي توجيهاته المباشرة " باختراق " البنية التحتية للحزب الديموقراطي بهدف الحصول علي كافة المعلومات التى في ضوئها يمكن العمل علي حرمان مرشحة الحزب من الفوز في الإنتخابات الرئاسية انتقاماً من وصفها عام 2011 الإنتخابات التى شهدتها روسيا ، بأنها كانت مزورة وغير شفافة وما ترتب عليها من مظاهرات إحتجاجية إجتاحت العاصمة موسكو والكثير من مدن روسيا الكبري .. 

تعبيراً عن هذا القلق أمر الرئيس أوباما بفتح تحقيق حول " سلسلة الهجمات الإلكترونية التى منحت موسكو القدره علي التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة " .. 

القلق الأمريكي ، كما يقول مراقبون أوربيون ، يعود إلي سعي الرئيس الروسي لتعرية مواقف واشنطن حيال حلفائها في كل مكان باعتبارها لم تعد القوة التي يعتمد عليها عالمياً أو الوثوق بقدراتها .. 

طالب بوتين نظيره الأمريكي بإيضاح حقيقة هذه المزاعم وكشف أساليب إختراق قواعد بيانات الحزب الديوقراطي ومدي تورط قراصنة روسيا في العبث بقواعد بيانات الناخبين ، وكيف تأتي لموسكو ان تنزع المصداقية عن الإنتخابات الرئاسية الأمريكية وتقف إلي جانب المرشح الجمهوري .. 

بدلا من الرد ، تعهد أوباما باتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا الخصوص .. 

جاء تعهده هذا علي خلفية تأكيد القدرة علي الرد بالمثل ليس علي روسيا فقط وانما علي جهات أخري " قد تظن أن لديها من المهارة ما يجعلها تضع رأسها برأس واشنطن " .. ومن منطلق ان العالم كله ينتظر رداً متناسقاً مع ما يعرفه عن قدرات الولايات المتحدة التقنية والإستخباراتية .. 

وفق هذه الرؤية اصدر الرئيس الأمريكي أوامره بطرد 35 دبلوماسي روسي ممن يعملون بسفارة بلدهم في واشنطن .. 

وصف الرئيس بوتين الأجراء بانه " تحريضي وغير ودي ويهدف إلي زغزعة العلاقات الروسية الامريكية " وإسترسل مؤكداً " لن ننزل إلي مستويات دبلوماسية غير مسئولة " ونوه أن بلاده تحتفظ لنفسها بحق الرد بالشكل المناسب في التوقيت المناسب " وفق ما سيتخذه الرئيس الجديد من سياسات " بعد العشرين من يناير الحالي .. 

وصفت الديلي تلغراف – 31 ديسمبر – الموقف الروسي بأنه يهدف إلي إجهاض محاولة أوباما تعكير صفو علاقات بلاده مع روسيا " .. وقالت أن نهج ضبط النفس الذي مارسه بوتين " يعد إستثمار جيد لمستقبل علاقاته مع ترامب " .. 

هذه الخلفية التى شكلت التقارير الاستخباراتية الأمريكية مكوناتها .. 

أثارت العديد من الشكوك علي مستوي الساحة الفرنسية التى تستعد لإجراء انتخابات رئاسية علي جانب كبير من الأهمية بعد نحو أربعة أشهر .. 

وجعلت وزير دفاعها جان إيف لو دريان يؤكد إمكانية وقوع هجمات إلكترونية خارجية تستهدف آلية الإنتخابات الرئاسية " مماثلة للهجمات التى تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية " .. 

ودفعت العديد من السياسيين إلي تذكير المجتمع المدني بالهجمات الخارحية – حوالي 24 الف هجمة - التى استهدفت اجهزة الدولة الأمنية والعسكرية خلال عام 2016 ، وإلي مطالبة المسئولين والاجهزة الأمنية بضرورة توخي أقصي درجات الحذر .. 

ويتوقع العديد من الخبراء في أوربا ان تجمع مخاوف باريس هذه بين جكومتها وحكومة ألمانيا التى تستعد هي أيضا لإجراء انتخابات رئاسية خلال العام الحالي .. 

 

 

[email protected]