عندما تزعم جلال الطالباني ورفاقه في اواسط الستينيات من القرن المنصرم . الانشقاق على القيادة البارزانية للحزب الديمقراطي الکوردستاني ، کان عنوان تحرکە ، لا للقيادة العشائرية ولا لتسلط مصطفى البارزاني على مقاليد الحزب والثورة في کوردستان . حرکة الطالباني هذه خلقت ، منذ ذلك الحين ، ولعقود تلت ، حالة استقطاب حادة ومزمنة في صفوف الحرکة التحررية الکوردية ، انقسم فيها الکورد بين من هو مؤيد لقيادة مصطفى البارزاني ، واغلبهم من الکورد القوميين التقليديين ، بينما کان القوميون الکورد من ذوي النزعة اليسارية هم الغالبية في جناح جلال الطالباني . وقد لمع نجم تيار الطالباني عند الکورد في اعقاب انهيار قيادة مصطفى البارزاني للثورة الکوردية عام ١٩٧٥ ، ودلك حين شرع تيار الطالباني في اعلان تأسيس الاتحاد الوطني الکوردستاني والاعلان عن استئناف العمل الثوري المسلح في ذرى کوردستان العراق عام ١٩٧٦ ، ليصبح جلال الطالباني بذلك عنوانا لحرکة الکفاح التحرري الکوردستاني ورمزه بلا منازع . لکن نجم الطالباني وحزبه بدأ بالافول ، منذ ان دخل في مساومة تأريخية مع القيادة البارزانية بزعامة البارزاني الابن (مسعود) ، وذلك في مطلع العقد الماضي ضمن اتفاقية الفيفتي فيفتي، والتي جاءت دائما لصالح القيادة البارزانية على حساب هيبة وشعبية الطالباني والاتحاد الوطني الکوردستاني . وکان ذلك بطبيعة الحال تحصيل حاصل لتخلي الطالباني عن المبدأ الاساسي لانطلاقته الاولى کمشروع ثوري حداثوي ضمن القضية الکوردية ، جاءت لاجل انهاء التسلط العشائري والعائلي على مقاليد الحرکة التحررية الکوردية . فحصل فيما بعد ما حصل حيث انشقت حرکة التغيير بقيادة نوشيروان مصطفى عن قيادة الطالباني ، جاذبة معها الغالبية الساخطة من قواعد حزب الطالباني ، الذي تحول في اعقاب ذلك ، من الحزب الاول في کوردستان الى الحزب الثالث بعد حزب بارزاني والتغيير ، حسب الانتخابات الاخيرة التي جرت في کوردستان.

يقول المراقبون والمحللون ، ممن يبغون انصاف الطالباني ، بان الرجل لم يکن امامه خيار آخر سوى القبول بالمساومة التاريخية مع قيادة البارزاني ، ولم يکن بديل ذلك سوى الاستمرار في الاقتتال الداخلي المرير . وهناك ايضا من يقول بان الطالباني استسلم لاغراءات واردات النفط الخيالية التي بدأت تتدفق من بغداد بعد سقوط النظام وتقاسمها مع خصمه مسعود البارزاني . وهناك من يرى في طموح الطالباني بالوصول الى سدة رئاسة العراق هو ما دفعه الى التساوم مع قيادة البارزاني . لسنا هنا بصدد تحليل اسباب وخلفيات قبول الطالباني بالمساومة التاريخية مع خصمه التاريخي بقدر ما نتناوله من ابعاد وتداعيات هده المساومة على مسار حرکة الطالباني وافاق المستقبل . ولکن لايضربشيء ان نضيف الى هذه الاراء ما نراه انه لم يکن بالضرورة ان يلجأ الطالباني الى التحالف مع البارزاني حيث ان هناك بون شاسع بين التحالف والتقاتل . کان يمکن مثلا ان يخوضا الانتخابات الکوردستانية کحزبين متنافسين لا متحالفين ليتحولا الى حزب حاکم واخر معارض ! لکن وکما سلفنا لسنا هنا بصدد التعامل مع ما سلف بقدر ما نبغي تناول ما هو آت ، وما يواجهه الاتحاد الوطني الکوردستاني حاليا من تحديات وخيارات صعبة .

يکاد ان يکون مسعود البارزاني اليوم الشخصية الاقوى على الساحة الکوردستانية العراقية ، لا لانه يتربع على ثروات خيالية وان بحوزتە ترسانة عسکرية لايستهان بها فحسب ، لابل لانه يتحکم فوقيا وبلا منازع بکل مفاصل حزبه و والاجهزة الامنية والماکينة الاعلامية في المناطق التي هي تحت سيطرته ، وان ما ينقصه فقط ، کما يقول البعض ، هواحتواء الاتحاد الوطني الکوردستاني وبالتالي القضاء على حرکة التغيير . و في المقابل بات الاتحاد الوطني الکوردستاني ، لاسيما وبعد ان غيب المرض زعيمه عن ممارسة مهامه ، يواجه ازمة اقل ما يقال عنها هو انها ازمة وجودية تتعلق بمدى تمسکه بهويته في ان يختار بين الاستمرار في مقارعة ما لطالما اعتبره خطأ ام ان يصبح جزءا منه !!

يعاني الاتحاد الوطني الکورردستاني من غياب للاستراتيجية السياسية في تعامله مع الوضع السياسي القائم ، وان ذلك نابع من ظهور مراکز قوى ضمن قيادة الاتحاد تتخذ من البراغماتية السياسية نهجا لها ، لکن کل حسب هواه ومصالحه ، للتعامل مع هذا الوضع . فهناك ممن لايزال يحلم بالعودة الى نظام الفيفتي فيفتي مع قيادة البارزاني ، والغريب في ذلك هو انه يمثل سقف ما يطمح اليه هؤلاء ! وهناك من يرى بان اعادة اللحمة مع حرکة التغيير هو الخيار الاسترتيجي الاصلح لاعادة التوازن للمعادلة السياسية المختلة . ويبدو ان هناك ايضا من يؤمن بالمعجزات ويراهن على شفاء مام جلال وعودته لانقاذ ما يمکن انقاذه !

بالرغم من ان نظام الفيفتي فيفتي هو الذي کان اصل البلاء للاتحاد الوطني الکوردستاني ، وان هناك لايزال من من يحلم بالعودة اليه ، فليس هناك لدى مسعود البارزاني سببا ليقبل بالعودة الى نظام المناصفة مع اي کان ، لا مع الاتحاد و لا مع التغيير ، لانه وببساطة يرى نفسه الاقوى مقارنة بهم ، وانه ليس مضطرا للقبول بذلك .

 اما بالنسبة لاعادة اللحمة مع حرکة التغيير ، فهو امر يحبذه معظم قواعد ومقاتلي الاتحاد الوطني الکوردستاني ويرون فيه املا وحيدا لاستعادة الاتحاد هيبته ومکانته اللائقة به . لکن هدا الامر يصطدم بمعارضة وتردد بعض القيادات في الاتحاد ، التي تتخوف من فقدان مکانتها ومصالحها من مثل هکذا تقارب او اندماج مع حرکة التغيير. ولا شك في ان استنفار مسعود البارزاني لکل امکاناته ، ولاسيما المالية الهائلة ، للتاثير على عدم حصول هکذا تقارب بين الاتحاد والتغيير ليس موضع شك باي شکل من الاشکال.

بالرغم من ان الاتحاد الوطني الکوردستاني هو اليوم في وضع لايحسد عليه ، ويعاني من ازمة حادة هي في جوهرها ازمة هوية وقيادة تجسد هذه الهوية ، فانه لايزال يتمتع بارث وطني و نضالي يمتد الى عشرات السنين محفور في ذاکرة جماهير کوردستان . فخروج الاتحاد الوطني الکوردستاني من ازمته التي يمر بها ربما يکون بالاستناد الى هذا الارث و بالعودة الى المنطلقات لتحقيق ما انطلق لاجله في تحقيق الحرية والرفاهية لابناء الشعب ، واقامة دولة القانون المؤسسات وتداول السلطة . ان الاستمرار على الوضع الحالي لايزيد الاتحاد الوطني الکوردستاني الا المزيد من الوهن والتشرذم وبالتالي الخضوع لارادة قيادة البارزاني ، الامر الذي لن يکون لا لصالح الاتحاد ولا لصالح غريمه ولا لصالح الشعب الکوردي. ان غياب التوازنات السياسية في المجتمعات تۆدي الى الدکتاتوريات ، وبالتالي الى فنائها ، لکن الدول والمجتمعات کي تکون قوية وقابلة على الاستمرار يجب ان تحافظ على توازناتها ، فلا مجتمع قوي ولا دولة قوية من دون معارضة قوية .

فالمسؤولية عظيمة امام قيادة الاتحاد الوطني الکوردستاني لاخراج الاتحاد مما هو فيه ، وان رص الصفوف والاندماج مرة اخرى مع حرکة التغيير، قد يکون من شأنه ان يعيد التوازن الى الميزان المختل في کوردستان.

ان مسألة الاتحاد الوطني الکوردستاني اليوم تکمن في انه يکون او لايکون !