لقد عانت المجتمعات منذ الأزل - ولا تزال تعاني - من بعض المظاهر الخادعة، ومن بين هذه المظاهر وربما اخطرها التمظهر بسمات التديّن، تلك الظاهرة التي خدعت الناس تارة بهدف كسب ثقتهم واحترامهم وبالتالي الوصول إلى أموالهم، وتارة إلى تحقيق مكانة جماهيرية مؤثرة توصل ممارسيها إلى مآرب وأهداف سياسية واجتماعية بوسائل غير مشروعة دينيا واخلاقيا.
التدين الحقيقي هو ما يعبر عن الإيمان بالمعتقدات الحقة، وأن يكون الإيمان نابعا من علم ومعرفة بالدين، كما ان الالتزام بأخلاقياته في التعامل والسلوك هو من صميم الدين. الدين يدعو كذلك إلى التحلي بمكارم الأخلاق، وجميل الصفات والأفعال الخيرة. ومن مظاهر التدين الحقيقي التحلي بهذه الاخلاق والصفات الجميلة، وكذلك الالتزام بأداء الحقوق لأصحابها، وحفظ الأمانة، ورد الأموال لأهلها، والصدق في القول والفعل، تصديقا لقول الرسول (ص) "إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق"، وقوله كذلك "الدين المعاملة".
أما التدين الشكلي "المظهري" هو ما يمارسه البعض من اصحاب النفوس المريضة الذين يتقمصون شخصية الرجل المسلم الزاهد التقي الملتحف برداء الدين، ويعملون على تكريس هذا المظهر لدى أوساط العامة والخاصة، عبر بعض المظاهر كتواجدهم في المساجد اوقات الصلاة، وملازمة رجال الدين الذين لهم مكانة وحظوة في مجتمعاتهم المحلية، وكثرة الذهاب الى الحج والعمرة، وفي الوقت نفسه يحتالون بحيل شرعية لتفادي دفع الزكاة.
ومن الأمور الشكلية الاخرى التي يتشبثون بها والتي لا صلة لها بجوهر الدين هي: حرصهم الشديد على أن يضفوا على أنفسهم جوا مظهريا يوحي بالتدين، فاللحية تطول إلى أقصى حد، والثياب قصيرة الى ما تحت الركبة بقليل، والمسبحة لا تفارق أيديهم، والحوقلة والبسملة تنساب من أفواهم بسبب ودون سبب، والتشدد المفرط في صغائر الأمور الدينية. ولكن اذا بحثت في اسلوب حياتهم وسلوكهم وتعاملهم مع الآخرين، ستجد نفسك أمام شخصيات مفرطة في التدين الشكلي / المظهري الذي لا يتجاوز كونه رداءً لبسوه لتحقيق غايات في نفوسهم.
الحقيقة التي يؤسف لها، انه صار من المألوف مشاهدة الكثير من هذه النماذج في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، من الذين أساءوا للدين والتدين بمزايداتهم التمثيلية المتكررة، يتسترون بالدين، ويتظاهرون بالورع والتقوى، ويستبطنون الكفر والفسوق والعصيان، فاستغلوا الدين وقودا لإشعال فتيل الصراعات السياسية، وتأجيج نيران الفتن الطائفية، واتخذوا من الدين جسرا ليعبروا من خلاله إلى مواقع التسلط، وتحصنوا خلف جدران الرياء والنفاق، وهم ابعد ما يكونون عن الدين وطاعة الله. 
التدين الحقيقي هو الخوف من الله وطاعته واجتناب معاصيه. والشخص المتدين الحقيقي ليس ذلك الانسان الذي يُكثر من العبادات، بل هو الذي يتخلق بأخلاق الإسلام في سلوكه وتعاملاته، ويسعى في قضاء حاجات الناس بدون مقابل مادي او معنوي، ويدافع عن الحق والعدل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويشارك في كل نشاط يرفع من قيمة الإسلام والمسلمين. التدين الحقيقي هو علاقة حميمة تربط بين الإنسان والله الذي لا ينظر إلى صورنا وأشكالنا ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا. 

آخر الكلام: لما سُأل "الرسول" (ص) عن المرأة كثيرة العبادة لكنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: إنها في النار. وحينما سُأل عن المرأة قليلة العبادة وتحسن إلى جيرانها، قال: إنها في الجنة.
يقول الشيخ "محمد الغزالي": إن التدين الحقيقي ليس جسدا مهزولا من طول الجوع والسهر، التدين الحقيقي ايمان بالله العظيم وشعور بالخلافة عنه بالأرض. 
ويقول الدكتور "علي شريعتي": إن الدين الحقيقي لا يحارب إلا بدين مزيف، فبمقابل ما يفرضه الدين الحقيقي من وعي والتزام وجهد وتضحيات، يقدم الدين المزيف للناس طبق التوكل والشهوة والزخرف والإدعاء.