قد يكون الشعب العراقي، من الشعوب القليلة التي لا يزال يعيش الحرب منذ حوالي ستون سنة، لم يجد فيها راحة الا سنوات قد لا تعد بأصبع اليد الواحدة في بداية السبعينيات القرن الماضي. من هذه التجربة المؤلمة والثرية في تشويه إنسانية الإنسان، نخرج اليوم بصيحات الحرب لمعالجة مشاكل سياسية، يمكن أن تتعالج بالحوار السياسي البناء. فحتى لو افترضنا ان هناك تسرع في إجراء الاستفتاء في إقليم كوردستان، إلا ن الحل يجب ان لا يكون بالحرب. فالحرب أداتها ألإنسان وثروته، ومن يزول منهما لن يعود، ناهيك ان الحرب مجال واسع لتدخلات مختلف الدول وكل منها حسب مصلحته الخاصة. وبالتالي فان بدء الحرب قد يكون معلوما ولكن نهايتها واتجاهاتها غير معلومة البتة. إن من يرفع عقيرته بالصراخ وبالدعوة لحسم الأمور بالحرب، أما جاهل بأسباب ما يحدث، ويعتقد مؤمنا إن الانتصارات الأخيرة على التنظيم الإرهابي داعش هو من صنعه، أو لا يهمه أبناء الفقراء والمساكين المخدوعين بالجنة. فهو يعتبرهم وقودا شرعية ويجب دفعها لتحقيق رغبته في الانتقام والاستمرار في النصر. ان البعض وليس لاول مرة بل مرارا وتكرارا يكرر تجربة سمجة وسقيمة، مدعيا بالنصر بقدراته الذاتية ومن خلال المدد الالاهية. لا يرغب في الاعتراف ان الانتصارات التي تحققت على الإرهاب هي نتيجة تحالف دولي سياسي قبل ان يكون عسكريا. اي ان هناك لهذا التحالف ولهذا النصر تداعيات سياسية يجب ان تدفع او ان تتحقق، والا فان توجهات الحرب قد تتغير، بطريقة دراماتيكية، ولو بغض النظر او التقاعس عن الطلعات الجوية او الاستطلاعية.
ان كان البعض يعتقد بان المخطط الإيراني يسير وحسب التوجهات، فهو بالتأكيد غير مدرك لانقلاب الأمور، وحسب المراحل. ولعل من البشائر التي يمكن ان يستشف منها الانقلاب ما صرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الاتفاق النووي والسلوك الإيراني السياسي. والسلوك الايراني السياسي عنوان عريض يشمل العلاقة مع حزب الله مرورا بدعم الحشد الشعبي والمخطط المعلن بإقامة ممر شيعي من ايران الى البحر الأبيض المتوسط. ان لعبة ايران وتركيا ليست من اجل العراق، ليست من اجل السنة والشيعة، انها من اجل مصالح بلديهما وموقعها في ما يرسم من الخطوط في ما بعد انتهاء الحرب على الإرهاب.
ان السياسة تعلمنا ان سنة من المفاوضات المضنية افضل بكثير من الوعود بيوم من الحرب او الحرب الخاطفة، كما يبشر البعض. فالحرب ان وقعت، معناها إن هناك جدار سميك سيرتفع بين أبناء البلد، او حتى بين الجارين المستقبلين، مما لا يسمح لهما بتحقيق اي من غايات دولهم، وهي التنمية البشرية والتطور الإنساني والسلام الداخلي. ان الحرب تعني المزيد من الإيتام والأرامل والمزيد من الشباب القتلى، وفي النهاية فان كل ذلك لن ينفع، لان محكوم على الجميع الاحتكام الى المفاوضات، وحينها قد يكونا الطرفين منهوكي مما تبقى لهما من قوى التي أنهكها الارهاب والحروب السابقة، والصراعات السياسية القائمة وسرقات أموال الشعب المستمرة. وحينها على الطرفين الإذعان لما سيملي الأقوى. والأقوى ستكون مصالح أطراف مختلفة ومتعددة، وأخر من سيتم الاهتمام به مصالح الشعب العراقي.
ان الحل الوحيد والمطلوب والقابل لكي ينير طريق المستقبل هو بالاعلان التام بان السلام والتفاوض هو الطريق الوحيد للخروج من المأزق الحالي. وان تتعهد الاطراف المختلفة، بنيتها في بناء دولة يكون القانون هو الحاسم في حل اي خلاف يطرأ بين مختلف الافرقاء والتعهد بتطوير المنظومة القانونية بما فيها الدستور، نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية والتعددية القومية والدينية، دولة الشراكة فعلا وقولا وليس دولة الاستقواء بالعددي. واقامة المؤسسات المتمكنة من حل كل الخلافات باستقلالية ومهنية عالية.