ذات مساء قريب كان حسن نصر الله أمين عام حزب الله يؤدي "مهامّه الجهادية" خاطباً عن الأوضاع الدولية والإقليمية والمحليّة ، مهاجماً وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهانالذي يظهر أن تصريحاته وتغريداته حول حزب الله قد أضحت حديث الناس والصالونات السياسية في لبنان لما لها من دلالة وتأثير مباشر في التوازنات الداخلية وعلى معنويات جمهور هذا الحزب ومحوره المنتمي لإيران ، هؤلاء الذين ينبرون بالجملة للرد والتعليق على السهام السبهانية المُركّزة .

لوهلة بدى أن الغالب على تفاعل عيّنة من نشطاء وسائط التواصل الإجتماعي ما جاء في كلام نصر الله ، إلاّ أن خبر ركلة محمد صلاح لاعب المنتخب المصري لكرة القدم الذي أحرز بها هدف الفوز مُحقّقاً بذلك بطاقة تأهل منتخب بلاده لكأس العالم في روسيا العام القادم خطف فجأة إهتمام النشطاء فتحوّل معظمهم إلى الإحتفاء بهذا الفوز البهيج ، ودلّ - بمعنى ما-على مدى عمق توق وحاجة الشعوب العربية عامّة إلى إنجازات فعلية وبطولات حقيقية يتعلّقون بحبالها للخروج من وهاد البؤس والمتاهة .

لا صلة مباشرة بين الواقعتين ما خلا التزامن ، إلاّ أن هذا التحوّل السريع لإهتمام الجمهور من خطبة نصر الله إلى ركلة محمد صلاح لَفَت الإنتباه إلى أسئلة جذريّة وبديهية لا مناص من التعامل معها ، ما الذي يريده جيل الشباب ؟ من الذي يعبّر عن آمالهم وطموحاتهم ؟ أي مستقبل ينشدون ؟ ما نوع الحياة التي يطمحون إليها ؟ ما هي القضايا التي تقف على رأس أولوياتهم ؟

اليوم يمكن رصد مؤشرات وتوجهات الرأي العام كل لحظة من خلال وسائط الإعلام الجديد ، على أن إستيفاء أي موضوع حقه في النقاش يحتاج دائماً إلى بحث علمي أشمل من أن تُحتوَى فصولهفي سطور مقال .

الشباب يريد الأمن والإستقراروالحريات العامّة وفرص العمل والعيش الكريم والترفيه والخدمات الرئيسية وإتقان لغة العصر والسعي لإكتساب الأفضل ، ولأن معظم هذه البديهيات –الطموحات عزيزة ومفقودة وفي غير متناول غالبية شعوب المنطقة لأسباب شتّى منها فشل الدول الوطنية في تحقيق مشاريع التنمية ، فقد دفع هذا كل ما هبّ ودبّ من قوى سياسية وإجتماعية إلىالتحرّك لملأ فراغ الفشل الرّسمي وطغت القوى والتيارات الراديكالية الدينية على المشهد العام منذ أواخر السبعينات ، ولكن هل حقق هؤلاء ما عجز عنه الأوائل ؟ وهل جاؤوا بالتنمية والمشاريع والإنجازات ؟ هل شكّلوا بديلاً ناجحاً أم أنهم هم أنفسهم أيضاً كانوا عنواناً لفشلٍ إضافي مُضاعف بعد أن شرّعوا الأبواب أمام جهنّم الحروب والتشرّد والفتن والميليشيات والسلاح المنفلت من كل عقال ؟! .

بوضوح ، إنّه " الفراغ " الذي سمح للـبروباغندا الحزبية والمذهبية أن تأخذ حيزاً أكبر من حجمها الطبيعي ، هذا الفراغ الذي أطلّ منه حسن نصر الله سارحاً مارحاً مُتطرقاً في غير مناسبة إلى الأوضاع في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين والسعودية ودول أخرى للإيحاء والإشارة بأن كل هذه الجفرافيا صارت هي الملعب الطبيعي للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يفاخر بأنه يعمل لخدمة مشروعها في المنطقة .

لكن ما بين الحقائق والأحلام أغلال رقيقة تسمّى أوهام يعيش على أثيرها أولئك الذين لا يستمعون لنبض الشعوب ، هذه الشعوب التي ترفض نزعة الوصاية وتأبى السطو على إرادتها ومصادرة مستقبلها وحقها في الحياة ، مثل هؤلاء الواهمين ينهارون فجأة ،فأدوارهم - البدل عن ضائع - سرعان ما تختفي وتتوارى عند نجاح أوّل ركلة .

وفي سياق إنهيار صورة حزب الله في الدول العربية مقارنة بما كانت عليه سابقاً كشفت دراسة إستطلاعية أميركية قام بها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عن رفض المصريين بأغلبية ساحقة لمواقف حزب الله في المنطقة ، ففيما كان الرأي العام المصري ينظر إلى حزب الله على أساس أنه قوّة عربية يدافع ضد قوى الإحتلال الإسرائيلي ، فقد تغيّرت صورته الآن وأصبحت سلبيّة خاصة بعد تورّطه في الحرب السوريّة وبسبب ولائه الكبير وإنتمائه لإيران . 

إستطلاع معهد واشنطن كشف أيضاً عن رفض كاسح للرأي العام المصري لسياسات إيران الإقليمية بنسبة 99% وبنسبة ساحقة أيضاً رفض المصريون جماعة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن ، وإعتبروا أن إيران الآن هي عامل سلبي ، وعنصر عدم إستقرار في المنطقة .

إذا ، ليس الخطاب الراديكالي التدميري التخريبي المذهبي هو ما يعني المواطن العربي حيثما كان ، فهذا الخطاب المأزوم يتغذى من الفراغ ويتفرْعَن عندما لا يجد من يصده ، والعلاج المستدام هو في قبول التحدي والتصدي لمشكلات الوطن الحقيقية في مكافحة التطرف والإرهاب وتحقيق الإستقرار وإستنهاض الهمم لتسريع محركات الإنتاج وإنجاز المشاريع تلو المشاريع وفق رؤية حكومية ومجتمعية واضحة المعالم وآليات تنفيذ ورصد ومتابعة يكون مؤداها خدمة الشعوب وتحقيق مصالحها العليا .

وأمام ناظرينا نموذج مُلهِم هو دولة الإمارات العربية المتحدة بما بلغته من تطور ونجاح منقطع النظير في تطبيق برامج التنمية على الصعد كافّة وبما وفّرته من بنى تحتية حديثة وحياة أمنة وخدمات ذكيّة يسعد بها كل مواطن ومقيم .

وإنّ الأنباء المتوالية الآتية من مصر والسعودية بما تمثله هاتين الدولتين من ثقل عربي وإسلامي تجديداً وإصلاحاً وتدشيناً لمشاريع عملاقة وتمكيناً للمرأة في الحياة العامة ، تبعث بمجملها على الأمل والحبور وتَشي بأنّ غداً يومٌ أجمل . 

 

كاتب وصحافي لبناني