على نحو مفاجئ، وبشكل مختلف عمّا هو عليه الحال في اغلب دول العالم … اعلنت زيمبابوي على لسان رئيسها روبرت موغابي عن تشكيل وزارة الامن السيبراني؛ كشف التهديدات والتقليل من حدتها، Cyber Security, Threat Detection and Mitigation،وقد تم منح الوزارة لباتريك شينامزا الذي كان يشغل وزير المالية في حكومة موغابي.

موجة كبيرة من ردود الفعل المختلفة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فور الاعلان عن الخبر كتعبير عن استغراب، بل تهكم المواطنين، بالشخص الذي استلم الوزارة من جهة، وبطبيعة عمل الوزارة ونشاطها من جهة اخرى.

مستخدمو التواصل الاجتماعي تفاجأوا من منح الوزارة لشينامزا الذي لا يمتلك اي حساب على مواقع التواصل، اذ اعترف “ الوزير المعين “ في لقاء لمجلة TechZim بان الحسابات الموجودة باسمه على مواقع التواصل غير حقيقية ! ولذا تساءل الكثير من المواطنين عن كيفية ادارة وزارة تتعامل مع هذا الفضاء الافتراضي بواسطة شخص بعيد عن هذا الجو ويجهل عالمه؟

مستوى آخر من السخرية بدا واضحا لدى الشعب الزيمبابوي من خلال البحث عن ماهية عمل هذه الوزارة، والغايات الحقيقية التي تقف وراء تشكيلها، وفي هذا السياق، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كتاب من وزارة الامن السيبراني يطالب فيه المواطنين من اصحاب مجاميع الواتساب بتسجيل اعضاء هذه المجاميع لدى الوزارة والا سيتحمل اعضاء المجموعة والادمن النتائج والتبعات المترتبة على ذلك ! ما دفع مستخدمي تويتر في هذا البلد الى

اطلاق وصف وزارة الواتساب ! على وزارة الامن السيبراني بالرغم من ان الكتاب مزور وغير حقيقي ونشره بعضهم وتداوله للسخرية من هذه الخطوة.

الشعب الزيمبابوي لديه علاقة استثنائية مع تطبيق الواتساب الذي بلغ عدد مستخدميه عالميا ملياراً و200 مليون، فهو اكثر تطبيق يتم استخدامه والاكثر شعبية في زيمبابوي ويستحوذ على حوالي نصف مستخدمي الانترنيت في هذا البلد (44% )، ونصف حركة الدخول للأنترنت تذهب لهذا التطبيق، في مقابل 1% فقط للفيسبوك !.

وقد غيّر الواتساب، بحسب مراقبين، من طريقة تواصل المواطنين ومشاركتهم للاخبار والمعلومات من خلال المجاميع التي يشترك فيها مستخدموه والتي تناقش كل القضايا المطروحة في المجتمع من سياسة واقتصاد ورياضة وغناء وغيرها على حد تعبير الكاتب تاوندا كاربمبو.

وبسبب كل هذا الاهتمام بالواتساب واستعماله المفرط من قبل المواطنين، كان هنالك عداء بين شركات الاتصال وبين مزودي خدمات الانترنيت الذين يحصل المستخدم عن طريقهم على هذا التطبيق، اذ ان هذه الشركات بدأت تخسر الكثير من عائداتها التي كانت تحصل عليها من جراء اتصال المواطنين بعضهم مع بعض، والذي استعاضوا عنه بالاتصال بالواتساب.

وكغيرها من اغلب شعوب العالم فان السوشل ميديا هي الوسيلة الاساسية للشعب الزيمبابوي لاستقبال وتبادل الاخبار، مما دفع الحكومة الى التنبه لاثرها على الرأي العام ومايمكن ان يحدث خصوصا بعد مشكلة القس ايفان ماوراري الذي قاد، السنة الماضية، حركة #ThisFlag التي كانت ضد الحكومة، فضلا عمّا حدث في ازمة نقصان الوقود وما سببته الاشاعات على السوشل ميديا من ارباك للوضع العام في زيمبابوي.

كل هذا دفع الرئيس روبرت موغابي الى اصدار قرار بانشاء هذه الوزارة، والتي ستسعى بحسب المتحدث باسم الرئيس جورج شارمبا الى كبح الاخبار المزيفة والمسيئة على وسائل التواصل الاجتماعي، بالاضافة الى التعامل مع التهديدات المحتملة ضد الدولة والتي تنشأ من التصرفات المسيئة وغير القانونية لبعض المستخدمين، علما ان 11 دولة افريقية حظرت او اغلقت وسائل التواصل ومن ضمنها الواتساب في الاحداث الوطنية الكبرى كالانتخابات.

نعم ؛ ممكن مراقبة او رصد هذه المواقع لنتأكد من مصداقية نشرها، وتطبيق قوانين الجرائم الالكترونية تجاه اي حساب او صفحة تنشر معلومات كاذبة او تروّج لاخبار مزيفة او تعمل على اثارة الطائفية بين ابناء البلد الواحد، ولكن لايجب ان تكون هذه الهواجس ذريعة لكي تمارس الدولة نوعا من القمع وكبت لحرية الكلام والتعبير عن الرأي لدى المواطن الذي يجد في هذه المواقع متنفسا للتعبير عن افكاره.

وبحسب استقرائنا لما يحدث في هذه العوالم الافتراضية، فاننا نعتقد ان مايتم نشره في مواقع التواصل الاجتماعي من اخبار وشائعات لايساهم في احلال الامن والاستقرار بأي بلد، ولا يساعد على تثبيت دعائم السلم الاهلي خصوصا في البلاد التي لديها مشكلات اثنية ( طائفية او عنصرية او قومية)، حيث تُسهم تلك المواقع في تأجيج الرأي العام واثارة المشكلات واستثارة الطائفية والمشاعر القومية بين المواطنين خصوصا مع وجود مراهقين وجهلة وطائفيين يقفون وراء العديد من الصفحات ناهيك عن الاحزاب التي تحاول اسقاط منافسيها من خلال الاكاذيب والتزييف التي تستعين فيها بمنصة مواقع التواصل من اجل تسويقها.

باحث في مجال التواصل الاجتماعي