لدى انعقاد القمة العربية في بغداد اذار 2012 كنت في القاهرة امضي ليلة على نهر النيل العظيم مع فريق من زملائي حيث كنّا نجري لقاءات حول القمة العربية مع أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي و مساعده الراحل احمد بن حلي و مساعده الثاني عبد العزيز التويجري وآخرين استعداد لقمة بغداد . 

جرت العادة ان أكون في القاهرة ليالي القمم العربية حيث سبق لي ان التقيت عمرو موسى قبل قمة الرياض و مسؤولين وشخصيات قبل قمة الخرطوم وعمان و تلك أيضا .

كنت اجلس في مكتب بن حلي غداة لقائنا بالعربي، يسألني اكثر مما اسأله ، كان الراحل طيب المعشر ودودا لم يدر في خاطرنا الحديث انذاك عن مصاباتنا الْيَوْمَ في الحوثي أو حزب الله أو داعش .. بقدر ما تحادثنا حول العراق ورأيه في رئيس الوزراء نوري المالكي وفقدان الجامعة لتأثيرها في التحشيد للقمة وانه يعرف ان الحضور العربي سيكون مهزوزا بلا اَي قيمة غير انه كان عاقد الأمل على صديقه هوشيار زيباري ان باستطاعته ان يبقي حبال الوصل مع السعودية و جوارها .

رن هاتفي المحمول اذ يطلبني للحديث فؤاد حسين رئيس ديوان اقليم كردستان يبلغني ان "السيد الرئيس" وافق على طلب المقابلة معه وانه بانتظاري غدا صباحا في أربيل.

ودعت بن حلي ولَم أره بعد ذلك ، كانت آخر جمله قالها لي ؛ أرجو ان يكون لقاءكم مع كاكا مسعود في صالح القمة.

السيد الرئيس في أربيل هو كاكا مسعود البارزاني وفي بغداد كان جلال الطالباني ووفي حينها كان نوري المالكي رئيسا للوزراء و كل رئيس سابق و رئيس حزب هو رئيس في البلاد التي ليس فيها رأس او رئيس !

بوقت قياسي تمكنت من الحصول على بطاقة سفر على متن رحلة الخطوط الجوية المصرية المتجهة الى أربيل ، كانت المضيفة تقف عند باب الطائرة تستنشق هواء آذار العليل عند إنسام الفجر وقت الهبوط وهي بانتظار ركاب اخرين يحتلون مقاعدنا التي اخليناها ، هكذا هي كراسي الطائرات و الحلاقين حيث البطاقات و الحجوزات محدودة ولا يتشبث بها احد مثل كراسي السلطة و السياسة . 

اجابتني المضيفة ان شركة الطيران لا تسمح لها بالنزول وعليها العودة الى القاهرة خلال ساعة متمنية يوما ما ان تجرب مائدة شيف كردي قرب قلعة أربيل أو شارع 60 الشهير !

في طريقنا الى مقر رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني نحو أعالي جبال مصيف صلاح الدين صباحا ، كنت اعد كلمات ترحيبية للرئيس ، فكرة واحدة مع عبارة مجاملة قبل ان ادعوه لبدء الحوار وقررت ان أقول له : " شكرًا سيادة الرئيس على قبولكم دعوة الحوار، انها لفرصة طيبة ان نلتقيكم في أربيل من اعلى هذا الجبل ... فريقنا جاء من مدن عدة لإجراء هذا الحوار ".

وإذا تمر بِنَا سيارة المارسيدس السوداء الفارهة و تشق طريقها صعودا من سفوح المصيف حتى اعاليه كالشمس التي رافقتها بين دورات الجبل تشق دربها نحو صباح جديد .

وانا أتأمل جبل صلاح الدين الذي تقلصت انحناءاته من 14 الى ثلاث استدارات ، تذكرت آخر مرة زرته رفقة أمي و اخوتي قبل 21 عاما ، كنت صغيرا تركنا والدي وعاد الى بغداد حيث الحرب الامريكية الاولى سنة 1991 كانت بغداد تحت النار والدمار و كانت مدن كردستان أكثر أمنا من العاصمة تشق دربها نحو الانفصال الاول عن العراق بعد الحرب . 

تذكرت اني رأيت الصواريخ لأول مرة وهي تنطلق من الطائرات الامريكية نحو محطات الكهرباء و الجسور حتى في جبل صلاح الدين الآمن؛ تم قصف محطة توليد الكهرباء عند الجبل . ولم يسلم احد من تلك الصواريخ فعدنا قرب ابي الذي لم يترك جامعته و مؤلفاته .

اهلًا وسهلا وحمد الله على السلامة يا علي ... عبارة استقبلني بها كاكا مسعود وهو يضع لفة على راْسه شبيهة بتلك التي كان يضعها والده المُلا مصطفى البارزاني مع زي تقليدي كردي اخضر فاتح اللون يذكرني بلون البدلة العسكرية التي كان يرتديها الرئيس الراحل صدام حسين ليختلف به عن قيادات جيشه وضباطه . 

انتابني احساس بدقة كاكا مسعود ، كان كل شيء حوله مرتبا على اعلى طراز في قصره الفاره ، و كانت ذقنه محلوقة بشكل جيد وعيناه ترشدك في ذات الوقت الى انه تمتع بليلة هانئة في سريره و نام عميقا.

كيف الحال كاكا مسعود أرجو ان تكون بخير ، وجهت كلامي للرئيس فرد مباشرة : الحمدالله. كل شيء على ما يرام .

كيف ترى الأمور في بغداد ؟ رد بحزم : سيئة جدا ! 

بعد 15 دقيقة من اللقاء توقف مقدم البرنامج عامر ابراهيم عن الحوار طالبا من الرئيس أخذ برهةً من الراحة و الهدوء حيث شعرنا جميعا بشدة تصريحاته ضد بغداد ، لم تكن اتهامات عادية للرئيس المالكي وإدارة مكتبه من حزب واحد و الهيمنة على رئاسة أركان الجيش التي يديرها قريبه بابكر زيباري و غياب وزيري الدفاع و الداخلية وترؤسهما بالوكالة . 

لم اسمع منه سابقا لغة حادة ضد بغداد وإدارة الحكم فيها على هذا النحو سأله عامر : هل تريد ان ترتاح قليلا ، فرد البارازاني : أنا لا اخاف احدا وما أقوله هو الحقيقة و خطأ حياتي القبول بالتحالف معهم - التحالف الشيعي - مجددا في حكومة 2010 وعلى الدول العربية ان تسمع ذلك ليلة القمة . 

كانت صخرة " التحالف السياسي الشيعي - الكردي المقدسة" التي أطلقها رئيس منظمة بدر هادي العامري تتكسر حتى غدت مثل فُتاة الخبز كلما مضى كاكا مسعود في حواره و ازدادت كلماته حدة وقسوة وعند نهايته تيقنت اني احمل في يدي وثيقة عن جرح غائر سينزف مع مرور الأيام ولن يندمل .

وفي نهاية اللقاء جمعتني بالرئيس صورة تذكارية قلت حينها وانا أقف الى جانبه : " تصورت مع عدد من الرؤساء و تصريحاتكم الْيَوْمَ كانت تعبر عن رأي دولة مختلف و ليس منهج اقليم في دولة" ، فرد وبجانبي فريق العمل : اذا استمر الانفراد في السلطة لن نقبل ان نبقى في هذه الدولة ! 

عند حلول منتصف الظهر و في طريق العودة آلى أربيل ما ان استقليت سيارة العودة حتى فككت ريطة عنفي و اتصلت بمركز الأخبار بالهاتف اوجزتهم بمختصرات عاجلة عن اللقاء ، كنت أتوقع ان يتصل بي السيد فؤاد حسين يطلب عدم بث اللقاء ووقف التصريحات لكني حمدت الله ان احدا لم يتصل وُبثت هذه المقابلة الشهيرة . 

بعد دقائق رِن هاتفي .. وكان الطرف الاخر السيد هوشيار زيباري متهما المقابلة بمحاولة تخريب القمة .

تقبلت مكالمته بصدر رحب دون ان اذكّره انه الخال وضيف المقابلة ابن شقيقته و ليس ابن شقيقتي أنا!