حيدر مفتن جارالله

تشهد العلاقات العراقية السعودية تطورآ لافتآ في هذه المرحلة بعد أكثر من ثلاثة عشر عامآ من الجفاء الذي وصل الى حد القطيعة وربما العداء , تَخلَلتها فَترات من الهدوء ثم تَحَسُن مَلحوظ ,أعقبه جُمود وفتور , ثم تَوَتر بين الحين والحين , وعمومآ فأن صفة التَذبذُب هذه هي ما مَيَزت العلاقات بين البلدين الشقيقين بالمُجمَل , وأبرز ملامح هذا التحول والتطور والإنفراج الأخير في العلاقات بين البلدين هي الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير الى بغداد قبل فترة والتي كان لها الأثر الكبير في تَرطيب الأجواء وعودة الدفئ في العلاقات بين البلدين وإزالة الكثير من سوء الفهم والتشنجات الغير مُبرَرة , رد عليها رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي بتلبيته دعوة كريمة من الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة الرياض تُوِجَت بتأسيس المجلس التَنسيقي العراقي السعودي الذي يُعد اللبنة الأساس للدَفع بالعِلاقات بين البلدين الشقيقين الى آفاق أرحب ..

لا نشك أبدآ في إن هناك حاجة ملحة لكلا الطرفين للتسريع من وتيرة إصلاح وترميم العلاقات بينهما بما يعود إيجابآ على البلدين والشعبين الشقيقين الجارين في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية, فمن غير المعقول والمنطقي أن تبقى العلاقة العراقية السعودية مأزومة متوترة يَشوبها سوء الظن والحذر المفرط الى ما لا نهاية ولا نشك أيضآ بأن هناك تصميم وقرار سعودي يقضي بجعل العلاقة مع العراق ترتقي الى مستوى علاقة سيتراتيجية وعلى كافة الصُعد..

حاجة العراق الى المملكة العربية السعودية كبيرة ومتشعبة تشمل مُختلف المَجالات , فإعادة الإعمار في المناطق المحررة من عصابات داعش والتي دمرت بشكل شبه كامل تُشكل أولوية بالنسبة للعراق وهذه العَملية تَحتاج لمُساعدات سَخية وإستثمارات فلكية حتى يتم إعادة إعمار تلك المدن وعودة النازحين والمهجرين إليها ولا يمكن أن يحدث هذا بِسُرعة وفاعلية بِغياب كامل للمملكة ومن وراءها دول مجلس التعاون الخليجي عن الساحة العراقية , كذلك فأن علاقات العراق بِعمقه العربي تَبقى مُتأرجحة وغَير صحية مالم تُدَعَم بِِعلاقات قوية ومتكاملة مع المملكة العربية السعودية , فالعراق أجبر على الإبتعاد عن مُحيطه العربي بسبب نظرة بعض العرب القاصرة الى العراق من منظار طائفي فقط مما سهل للبعض ملئ الفراغ وزيادة نفوذه في العراق ,وكذلك على المُستوى الدولي فإن بإمكان المملكة بما لها من ثُقل وَوزن إقتصادي وبما تُمثله أيضآ من تأثير وإلهام روحي في نفوس أكثر من مليار مسلم أن تُقدم الكثير من الدَعم والمُساندة للعراق في المحافل الدولية , هناك حاجة أساسية مهمة للعراق اليوم بعد سلسلة الحروب المتواصلة التي خاضها والتي جلبت النكبات والكوارث على الشعب العراقي هي الإستقرار والإبتعاد عن سياسة المحاور التي تَشكلت في المنطقة والتي تُنذر بِصِدام كبير يُمكن أن يَقع في أية لحظة , وعلى المسؤولين العراقيين أن يبتعدوا عن العواطف وينظروا بعين المصالح وَيوازنوا بين الإنتماء المذهبي وبين البعد والعمق القومي لغالبية أبناء الشعب العراقي شيعة كانوا أم سنة .


, أما بالنسبة لحاجة المملكة للعراق فهي لا تقل أهمية عن حاجة العراق للمملكة ,فهي أي المملكة وقبل كل شيئ لا تريد أن تضيف بؤرة توتر جديدة على حدودها , ولديها حاجة للتنسيق والتعاون مع العراق في مجال مكافحة الإرهاب وقد عانت وما زالت من عمليات إرهابية تحدث بين الفينة والأخرى على أراضيها , فالتعاون مع العراق في هذا الملف مهم خاصة وأن العراق نتيجة لتجربته الطويلة في مقارعة الإرهاب أصبح لديه خبرات كبيرة في عملية تَتبع الإرهابيين وتَفكيك الكثير من خَلاياهم وإرتباطات تلك الخلايا بخلايا نائمة في بعض الدول العربية وغير العربية , كذلك هناك حاجة سعودية ملحة لإحتواء العراق وجَعله على أقل تقدير يَقف على مسافة واحدة بينها وبين خصمها الإيراني العنيد.