رنا خالد

سماء الشرق الاوسط وأرضه مغطاة بضباب صراع متصاعد يبدو كأنه ستارة مخملية تتدلى فوق خشبة مسرح كبير وهو يذكرنا بمقولة لويس برنارد المؤرخ البريطاني المثير للجدل عندما شبه الشرق الاوسط بالمسرح الذي تتبدل فيه ادوار الممثلين ويتغير فيه المخرجون وتتعدل النصوص لكن المسرح يبقى على حاله يعرض الدرما نفسها بقصص مختلفة باختلاف الزمان .

صراع اقليمي يدق الابواب في الشرق الاوسط . الشركاء الحرجين الذين تحالفوا في يوم ما للقضاء على داعش باتوا اليوم مستعدين لملئ الفراغ لمرحلة ما بعد داعش . لذا تعيش المنطقة منذ اشهر تحت ضغط فوضى التحركات الدولية والاقليمية وتخبط وتعقد الشراكات الاستراتيجية التي باتت هي الاخرى مكاناً للتغيير والتبدل .

ايران اليوم تؤدي دورا مختلفا في مسرح الشرق الأوسط؛ انها تحاول خرق قواعد المسرح واعادة التموضع في اللعبة الدولية والاقليمية . فهي تدرك ان اعادة التموضع هو حلها الوحيد لكي تخرج من حصار القوى العظمى عليها منذ اعلان امتلاكها للقوة النووية. وهي تستخدم الايديولوجية الشيعية كرأس حربة في لعبة توزيع الادوار لمرحلة ما بعد داعش، ولقد اتيحت لها فعلا فرصة مسك الارض في مساحات واسعة من الاراضي التي استولت عليها التنظيمات المتطرفة في العراق وسوريا بل انها ذهبت بعيدا لتتحرك في اليمن فحولتها الى قاعدة تهدد بها دول الخليج العربي آخر معاقل الاستقرار والثروة في الشرق الاوسط. انها تلعب لعبة انتهازية خطرة تستخدم فيها اخطاء الاخرين وطموحاتهم لزعزعة استقرار المنطقة وكسب المزيد من النفوذ .

وهذا ما حصل مؤخرا في قضية الاستفتاء على استقلال كردستان العراق الذي انتهزت فيه الفرصة لتحصل على اعادة تموضع في شمال العراق عبر ميليشيا الحشد الشعبي الموالي لها. وهذا ما فعلته في اليمن عندما استغلت فوضى الحوثيين ورغبتهم في اعادة كفة الحرب لصالحهم فمررت لهم صواريخ لضرب الرياض وبعض مناطق السعودية المحاذية لهم . وهذا ما ستفعله في لبنان التي تكاد تقف على حافة صراع مقبل يجره اليها حزب الله ذراع ايران في لبنان . ولكن مقابل هذا الدور الذي تلعبه ايران يبدو ان الولايات المتحدة والغرب غير واضحين في ادوارهم ومواقفهم يغلفها الالتباس وكانهم يريدون لهذا الصراع ان يصل الى اقصى مداه بعيدا عنهم وعن فكرة التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة وحلفائها . تلك الفكرة التي طالما حكمت اللعبة في صراعات الشرق الاوسط السابقة . حتى تصريحات ترامب وخطابه الحاد الموجه ضد ايران لا يتوافر على صيغ عملية حاسمة تحدد دور الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في صراع الشرق الاوسط. بل ان الاراء المؤثرة في صناعة القرار الامريكي تتجه الى دفع ادارة الرئيس ترامب الى التروي في اقحام الولايات المتحدة في صراعات الشرق الاوسط وترك مسافة آمنة بينه وبين تحركات حلفائة الفاعلين في الشرق الاوسط .

وهذا ما جاء في مقال كل من ارون ديفد ميلر (نائب رئيس مركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث ) وريتشارد سوكولسكي (باحث أوّل في برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي). في مجلة foreign policy الصادر في 10 نوفمبر 2017 . ميلر وسوكولسكي اشارا الى انه يتعين على الرئيس ترامب ان يستفيد من طريقة اللعب في الشرق الاوسط التي استخدمها الرئيس السابق أوباما، تخفيف العبء، وان يعمل على تهدئة الصراع في الشرق الاوسط لكي لا يخسر لعبة التوازن الامريكي بين ايران والمملكة العربية السعودية . وبالتالي يبدو ان الولايات المتحدة في لحظة الصراع الحاسمة قد تترك حلفاءها ليواجهوا مصائرهم وحدهم وليتحملوا اوزار افعالهم .

حدث هذا سابقا سابقاً في الربيع العربي عندما تشدق اوباما بدور المدافع عن استقرار المنطقة ثم انتهى الى ان دعم الطرف الخاطئ حتى انتهى هذا الربيع بكارثة الاوصولية الاسلامية المتشددة بفكرها المشوه وذراعها الدموي داعش .

وهذه المرة ايضا سيواجه الرئيس ترامب قدره في الشرق الاوسط في صراع تحيك ايران ملابساته وتدفع الشعوب العربية فيه أمر ثمن. عليه يحب ان تدرك القوى العربية ان موقف الولايات المتحدة ليس محسوما لصالح اي طرف وان الادارة الامريكية الحالية حتى وان بدت اكثر جرأة واصرار على اعادة دور القوة المهيمنة في الصراعات الدولية الا ان الزمن قد تغير وقواعد اللعبة قد تغيرت أيضا. وقد تتخلى هذه الادارة عن كل تعهداتها وتعود لتلعب لعبة المناورات والتسويات التي غالبا ما يكون العرب الطرف الخاسر فيها. اخيراً ..

لا بد ان تكون الدبلوماسية العربية منسجمة الحركة و موحدة في خطاب مفاده ان مسرح الشرق الاوسط يتوجب اداء الدور فيه يتطلب حزماً وتحديدا حاسما للمواقف ولا مكان لأي العاب ومواقف مزدوجة .