الموقف الاخير لحكومة العبادي والذي جاء على لسان "سعد الحديثي" المتحدث باسم المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء، بان بغداد لن تستقبل وفد الاقليم الا بعد احترام اقليم كردستان قرارات المحكمة الاتحادية ومنها الغاء نتائج الاستفتاء، يعقد المشهد مجددا بعد ان كان هناك حديث عن بوادر انفراجات لبدء الحوار، وان وفد اقليم كردستان التفاوضي سيصل الى بغداد الاسبوع المقبل للتفاوض مع الحكومة الاتحادية لحل الاشكالات العالقة وفقا للدستور.
ولكن يبدو ان موقف بغداد الاخير، جاء رد فعل على بيان السيد مسعود بارزاني والتي تضمنت عدم دستورية المحكمة الاتحادية اصلا، ما من شأنه لاحقا ان يقطع جميع السبل لايجاد مخرج لحكومة نيجرفان بارزاني وقوباد طالباني، لبدء الحوار وسط ضغوط دولية (الامم المتحدة وامريكا).
الى ذلك جاء الرد الامريكي فورا على طلب نيجرفان بارزاني وساطة دولية بين اربيل وبغداد، واعلان واشنطن رفض طلب تعيين مبعوث خاص، وقالت بهذا الصدد ان "عاشا معا وحاربا معا وربيا أطفالا معا، الأمر الذي يدفع واشنطن إلى الاعتقاد بقدرتهما على حل المشاكل العالقة"، فيما دعت الأمم المتحدة حكومة الاقليم إلى احترام قرار المحكمة العليا بشأن الغاء نتائج الاستفتاء والبدء بالحوار.
من كل من سبق فانه يبدو ان حكومة نيجرفان وقوباد في موقف لا يحسدان عليه، وان البارزاني العم دخل مجددا على خط الازمة، وبوصفه المحكمة الاتحادية بانها غير دستورية، على اعتبار ان تشكيل هذه المحكمة كان قبل إقرار الدستور العراقي، لذلك كان من الواجب بعد إقرار الدستور في العام 2005، حل هذه المحكمة، ما يعني ان كل ما خرج عن المحكمة من قرارات غير دستورية، يدحض ايضا موقف حكومة الاقليم السابق والذي عبر خلاله عن احترامه لقرار المحكمة حول تفسير المادة الاولى من الدستور العراقي وعدم وجود نص في الدستور يجيز انفصال أي مكون بالعراق، والذي قرأه المحللون ضمنيا انه احترام لعدم شرعية الاستفتاء وان الاستفتاء لم يكن دستوريا .
اذن العم البارزاني نسف كل المساعي لحل الازمة العميقة بين اربيل وبغداد وبالتالي عودة الخلاف بين اربيل وبغداد الى المربع الاول .... كما ان بيانه حول قرار المحكمة الاتحادية بالغاء نتائج الاستفتاء يظهر بشكل جلي عمق الخلافات العائلية البارزانية، وما تعرض له من ضغوط اقليمة ودولية لتنحي البارزاني عن منصب الرئاسة المنتهية الولاية، وبالمقابل هذه القوى ابدت استعدادها للتعامل مع حكومة الاقليم ودعم رئيس الحكومة ونائبه ورفضها محاولات تشكيل حكومة انقاذ او اي حكومة مؤقتة ...... كل هذا كان بمثابة دعم لحكومة الاقليم مقابل الخروج من تبعات الاستفتاء، في ظل الحديث عن ان قرار المحكمة بالغاء نتائج الاستفتاء كان اصلا نتيجة تسوية بين اربيل وبغداد لحفظ ماء وجه المسؤولين في الاقليم امام المواطن الكردي من جهة، ومن جهة اخرى فان الغاء نتائج الاستفتاء لا تملك صلاحيته حكومة الاقليم الا من خلال استفتاء آخر، فكان الحل ان يكون من خلال قرار المحكمة الاتحادية بالغاء نتائج الاستفتاء ويكون بمثابة مخرج للبدء بالحوار بين اربيل وبغداد، والا لما تعود المحكمة الى قضية الاستفتاء وكانت قد اصدرت قرارا بشانه قبل اسبوع من موعد اجراء الاستفتاء في 25 /9 والقرار بعدم دستورية اجراء الاستفتاء ومطالبة المسؤولين في اقليم كردستان التراجع عن اجراء الاستفتاء، ما يثبت ما ذهب اليه بعض المطلعين والمقربين للمسؤولين في كل من بغداد وأربيل أن قرار المحكمة الاتحادية بالغاء نتائج الاستفتاء لم يكن الا ليكون مخرجا من مطالبة بغداد بالغاء نتائج الاستفتاء كشرط للبدء بالحوار.
اذن تحديات كثيرة يواجهها بالتحديد مواطنو الإقليم جلها بسبب الخلافات بين المسؤولين في الاقليم، وليس بين الاحزاب السياسية او بين ايديولوجيات او بين حكومة ومعارضة، ليصل التوتر على مستوى الشارع السياسي والتشتت والتنافر بين العائلات الحاكمة، والذي ظهر جليا بعد إجراء الاستفتاء بشأن الانفصال، الى مستوى يشعر فيه المواطن الكردستاني انعدام اي أفق للاصلاح، وامكانية اجراء تسويات للخروج من مأزق الاقليم، ليس فقط من تبعات الاستفتاء بل من نتاج تجربة 26 عاما من الحاكمية العائلية في أربيل والسليمانية، الذي لم يكن بمستوى تضحيات الكرد في العراق.