جنون السلطة يبدأ أولا بـ "عشق السلطة" الذي يدفع بصاحبه الي السعي بكل السبل والوسائل المشروعة وغير المشروعة لاعتلاء سدة الحكم في البلاد. ونظرا لأن دساتير اغلب دول العالم الثالث لا يوجد فيها مواد تحدد كيفية اختيار الرئيس ولا صلاحياته ولا فترة بقاءه في سدة الحكم، وإن وجدت مثل هذه المواد في بعض الدساتير فانه يتم التلاعب بها والتحايل عليها لاحقا من اجل إفراغها من مضمونها، بحيث يتحول الرئيس الى ملك غير متوج. 
بمرور الوقت وطول المدة، يتحول "عشق السلطة" الى "جنون بالسلطة" تحت تأثير حملات المنافقين والطبالين وحملة المباخر الذين يصورون للحاكم أنه الوحيد القادر على حكم البلاد، ويبررون له أسباب البقاء في السلطة، ويوهمونه ان البلاد سوف تتعرض للمخاطر إذا تنازل عن السلطة وسلمها الى شخص آخر أكثر شبابا وقدرة على إدارة دفة الحكم. في هذه المرحلة يكون الحاكم قد أصيب بداء "تضخم الذات"، فلا يأبه برأي العلماء والحكماء والمفكرين، ولا يستمع لصوت الشعب، ويصبح الوطن مختزلا في شخص الحاكم، يتصرف في شؤون البلاد والعباد بلا حسيب او رقيب. ويتحول الى "فرعون" يقول للشعب:( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ). 
دفعت الضغوط الشعبية والسياسية المتواصلة منذ أكثر من أسبوع، الرئيس الزيمبابوي "روبرت موغابي" البالغ من العمر 93 عاما إلى إعلان استقالته من منصبه يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، لينهي بذلك حكما استمر 37 عاما. وكانت إقالته لنائبه "إيمرسون منانغاغوا" قبل نحو أسبوعين الخطوة التي أثارت أزمة سياسية في البلاد، وكانت بنظر الكثيرين تمهيدا للطريق أمام زوجته "غريس" لخلافته في قيادة البلاد. 
وقد أغضبت هذه الخطوة قادة الجيش، الذين تدخلوا ووضعوا "موغابي" تحت الإقامة الجبرية، على الرغم من بقائه اسميا رئيسا للبلاد. ظل "موغابي" ممسكا بزمام السلطة في البلاد منذ استقلالها في عام 1980م، بيد أن الـ 15 سنة الأخيرة شهدت الكثير من العنف ضد المعارضين السياسيين. كما شهدت البلاد أزمة اقتصادية خانقة متفاقمة حيث بات الناس أفقر بنسبة 15 في المئة عما كانوا عليه في الثمانينيات. 
في العالم العربي (الذي هو جزء من العالم الثالث) حين انطلقت انتفاضات "الربيع العربي" أواخر العام 2010م، كان السبب الرئيسي الأول الذي أريد تغييره هو ظاهرة بقاء الحكام في مواقع السلطة لفترة طويلة بلا حدود، وصعوبة بل ربما استحالة تحقيق تناوب سلمي عن طريق صناديق الاقتراع، ولهذا جاء التغيير بواسطة الشارع.
"زين العابدين بن علي" الذي ازاح المرحوم "الحبيب بو رقيبة" من السلطة في شهر نوفمبر 1987م، قال في خطابه للشعب التونسي انه "لن يكون بعد اليوم في تونس رئيسا مدى الحياة"، بالرغم من هذا التعهد قضى 23 سنة في الحكم، وحسني مبارك قضى 30 سنة وكان يعمل على تهيئة ابنه "جمال" لخلافته، ومعمر القذافي قضى 42 سنة وكان يعمل كذلك على تهيئة ابنه "سيف الإسلام" لخلافته، وعلي عبد الله صالح قضى 34 سنة وكان يحاول تهيئة ابنه "احمد" لتولي الرئاسة من بعده. هؤلاء جميعا ومن على شاكلتهم حصنوا مواقعهم في السلطة ضد أية محاولات غير مرغوب فيها، ولكن انتفاضات الشارع التي لم يحسبوا حسابها قضت على كل آمالهم.
إن المشكلة الشائكة التي تواجه الشعوب العربية هي ان كل حاكم عربي يعتقد ان بلاده سوف تنهار وتعمها الفوضى إذا ما تخلى طواعية عن السلطة، كأنما الأمة العربية بشعوبها البالغة قريبا من الـ 400 مليون انسان وحضارتها العريقة قد أصبحت عاقرا بحيث لا تستطيع إنجاب قادة وزعماء مؤهلين وقادرين على إدارة شؤونها. وفي اعتقادنا ان المماطلة والتسويف للالتفاف على موضوع الإصلاح والتغيير والتداول السلمي للسلطة وشؤون الحكم لن يؤدي إلا مزيد من التأزم في الأوضاع العربية بمجملها. 
لا يوجد انسان مخلد، وان الغياب المفاجئ لأي شخص مهما كان موقعه في سلم السلطة لأسباب خارجة عن إرادته واردة في كل لحظة، وفي الدول الديمقراطية المتحضرة تؤخذ كل الاحتمالات في الحسبان، وعلى هذا الأساس هناك دائما اشخاص محددون وجاهزون لتحمل المسؤولية، لهذا تنعم هذه الدول بالاستقرار والتطور. إن احتكار السلطة لسنوات طويلة خلق طبقات طفيلية واسعة في المجتمعات العربية مستفيدة من هذا الوضع غير الطبيعي، ومتمسكة باستمراره وتستميت في الدفاع عنه، وان هذه الطبقات تقاوم كل محاولة جادة للتغيير، وتقلب الحقائق وتبث الشائعات وتثير الرعب بين الجماهير - عبر وسائل الاعلام التي تسيطر عليها – بأن التغيير سيقود الى الفوضى والحروب الأهلية. 
على الرغم مما تعانيه الأمة العربية من تسلط حكامها عليها، فإنها الأمة الوحيدة (كما اعتقد) التي ما زالت جماهيرها المضللة تخرج في الشوارع تهتف بحياة حكامها غير المنتخبين بطريقة ديمقراطية حقيقية، "تصرخ بالروح بالدم نفديك يا زعيم". ونحن كذلك الأمة الوحيدة التي تحول الهزائم والنكسات الى انتصارات وهمية، ونحن أيضا الأمة الوحيدة التي تتباكى على حكامها إذا ما ازيح أحدهم عن السلطة بطريقة ما. ربما نحتاج الى فحص جيناتنا الوراثية لمعرفة جذور هذه المشكلة حتى نستطيع معالجتها.
آخر الكلام: شواهد التاريخ تؤكد ان اغلب الحكام الطغاة تكون نهايتهم مأساوية على ايدي شعوبهم.