يقول الكاتب البريطاني "فريد هاليداي" في كتابه "الأمة والدين في الشرق الأوسط": تعود كلمة الإرهاب في تاريخها الى الثورة الفرنسية، مثلها مثل مصطلحات أخرى را ئجة الان منها "حرب الغوار" "والثورة المضادة". وقد استخدمت كلمة "الإرهاب" في الأصل عام 1794م، للإشارة الى استخدام الإرهاب من جانب الحكومات ضد شعوبها. وهناك جانبان مختلفان لمفهوم الإرهاب لابد من اخذهما في الاعتبار. 

الجانب الأول: هو ما يسمى إرهاب سيادة القانون، أي إرهاب الحكومات، وقد ثبت بما لا يدعو الى الشك ان الأكثرية العظمى من اعمال الإرهاب التي ارتكبت في العالم الحديث اقترفها من هم في السلطة ضد من لا حيلة ولا سلطه لهم. ويصح هذا القول على ما فعلته دول داخل أراضيها، وهو ما تفعله - حاليا ومنذ زمن طويل - الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والحكومة الامريكية ضد الدول المناوئة لها سياسيا، ويطلق الكاتب على هذا الجانب اسم "الإرهاب من فوق". 

اما الجانب الثاني: هو تبني الإرهاب أيديولوجيا، أي كمنظومة من القيم الدينية والفكرية التي لها صلة بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن من الواضح انها تخدم أهدافا أخرى يسعى الى تحقيقها قادة المنظمات التي تتبنى او تؤمن بهذه الايديولوجيات، هذا الجانب يطلق عليه الكاتب اسم "الإرهاب من تحت"، ولا يمكن ربطه بدين او جنس او جنسية او منطقة جغرافية محددة، والدليل على ذلك الأعمال الإرهابية التي نفذتها منظمات كانت ناشطة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي في أمريكا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا واليابان.

وحتى أواخر الستينيات من القرن الماضي لم تكن منظمات التحرير الوطنية التي تقاوم قوات الاحتلال وتسعى الى تحرير اوطانها من الاستعمار توصف بالمنظمات الإرهابية، وفي العالم العربي بالذات لم تلصق تهمة الإرهاب – بمفهومها الحالي – بالأحزاب السياسية إلا في بداية السبعينيات من القرن الماضي بعد ان ساد الغلو فكر بعض الأحزاب السياسية الدينية التي بدأت تكفر الأنظمة والشعوب معا، واعتمدت أسلوب العنف المفرط غير المبرر ضد كل من يخالفها الرأي، وتبنت في فكرها وأدبياتها موضوع "الدولة الدينية وفكرة الخلافة الإسلامية" كما حدث في مصر والجزائر ثم السودان وبعض دول الخليج العربية. وكان رد فعل الأنظمة الحاكمة حادا في مواجهة العنف والعنف المضاد، والنتيجة هي الدوران في حلقة العنف من "فوق" ومن "تحت".

لا يمكن اعتبار الإرهاب ظاهرة طارئة او مؤقتة، فالغلو والتطرف اللذان يقودان الى الإرهاب لهما جذور تاريخية في صلب جميع الأديان السماوية والايديولوجيات البشرية، وهي من صنع الانسان نفسه، كما ان الإرهاب أصبح ظاهرة متداخلة ومترابطة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكلما تأزمت هذه الأوضاع ارتفعت وتيرة الإرهاب والعكس صحيح، ويبقى العامل الفكري المتطرف الذي يقود الى الوهم الزائف بامتلاك الحقيقة المطلقة هو السبب الجوهري للإرهاب.

وفي اعتقادي ان مواجهة الإرهاب ومحاولة اجتثاثه من المجتمعات العربية لن ينجح من خلال الحل الأمني وحده، وان كان ضروريا لحماية المجتمع، وانما الحل الناجع يكمن في توسيع رقعة المشاركة السياسية، وتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز العدالة الاجتماعية،وإصلاح نظام التعليم، وترشيد وتجديد الخطاب الديني، وإشاعة ثقافة القبول بالآخر، وتلبية متطلبات التوازن الاجتماعي، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، والانفتاح على الحضارات والمجتمعات الأخرى.