كشف موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك اول امس الاربعاء عن قيامه بازالة مايمكن ان يُشكّل ما نسبته 99% من المواد التي تُنشر في منصته الرقمية والتي تتضمن محتويات تتعلق بالتنظيمات الارهابية التابعة لداعش والقاعدة، وانه يتم ازالة 83% من المحتويات الإرهابية بعد ساعة من نشرها على الموقع كما اشار الى ذلك كل من رئيس سياسة مكافحة الإرهاب براين فيشمان، ورئيسة إدارة السياسة العالمية مونيكا بيكيرت.

وبيّنت الشركة، التي يزيد عدد مستخدمي شبكتها على المليارين، بانها على اتم الاستعداد لعقد اجتماعات جادة مع " سلطات اوربا التشريعية " من اجل التنسيق والتعاون فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المحتويات التي تُصنّف على انها ارهابية ومتشددة او تدعو للعنف والكراهية.

تصريحات شركة الفيسبوك وبياناتها المتعلقة بالمحتوى الارهابي جاءت بعد الحملة الكبيرة التي تعرضت لها من قبل مجموعة من المشرّعين في الولايات المتحدة الامريكية وأوربا من الذين انتقدوا عدم جدية او فاعلية الفيسبوك وبقية الشركات مثل جوجل وتويتر في التعامل مع مايتم نشره في هذه المواقع من مضمونات تؤثر على السلم الاهلي والاستقرار ووحدة المجتمعات في هذه البلدان التي تشهد استقرارا امنيا واقتصاديا واجتماعيا وتخشى من حدوث مايُعكر هذا الاستقرار.

واستجابة لهذا الضغط بدأ الفيسبوك باجراءات من شأنها التقليل من الضغط الاوربي الذي لم يكتفِ بذلك، بل بدأ بالتخطيط لفرض ضرائب على جميع الشركات الرقمية، حيث اوضح رئيس المفوضية الأوروبية السيد جان كلود جونكر بان الاتحاد الأوروبي سيقترح فرض ضريبة جديدة على شركة جوجل والفيسبوك وغيرها من الشركات الرقمية في عام 2018.

وفي خضم هذه المشاحنات بين الفيسبوك ودول اوربا، من حق اي مواطن عربي ان يسأل :

ماهو موقع العالم العربي في خريطة مايجري بين الفيسبوك وهذه الدول؟

ماهي علاقة العالم العربي بهذه الشركات التي باتت تسيطر على عقول الشباب وتستحوذ على اهتماماتهم وتتلاعب بمشاعر الكثير منهم؟

ولماذا لم نرَ مثل هذه اللوبيات العربية تجاه هذه الشركات؟

الم يكن الاجدر بالدول العربية ان تنتقد الفيسبوك وهذه الشركات على مايتم نشره في شبكاتها من منشورات ارهابية او تحريضية؟

لماذا نجد الدول الاوربية والولايات المتحدة اكثر حرصا على شعوبها وحذرا من خطر المنشورات الارهابية على مواقع التواصل في حين ان الارهاب قد احتل مدنا كثيرة في عالمنا العربي واسقط حكومات، ومع ذلك فالحكومات العربية لديها موقف سلبي تجاه هذه الشركات ولم نرها يوما تطالب هذه الشركات والشبكات بالحد مما يُنشر فيها من منشورات ارهابية ساهمت في تجنيد آلاف المقاتلين الارهابيين الذين عاثوا فسادا في الدول العربية وقاموا بقتل مئات المواطنين الابرياء واستطاعوا، بل نجحوا في احيان كثيرة، في خلق فتن طائفية ودينية بين المجتمعات في العالم العربي.

وبحسب الاحصائيات فان هنالك اكثر من 160 مليون مستخدم للفيسبوك، وحوالي 12 مليون مستخدم لتويتر في العالم العربي، كما يوجد 460 مليون جهاز تقني متصل بالإنترنت في العالم العربي، بينما من المتوقع ان يبلغ عدد مستخدمي الانترنيت في منطقتنا عام 2018 الى نحو 226 مليونا.

وتشير بعض التقارير الى ان نسب النمو في القطاعات المختلفة لمستخدمي الانترنت وانتشار ادواته كوسيلة لنشر الاخبار وتلقيها والتواصل بين الناس في المنطقة العربية هي من بين الأعلى على مستوى العالم وبنسبة أكثر من 3000% في فترات معيّنة.

ولذا يمكن ان تشكل هذا الارقام عامل ضغط مهما على هذه الشركات من اجل تنفيذ مطالب ومصالح الدول العربية المتمثلة في محاربة كل محتوى متطرف و مثير للفتنة بشتى أنواعها واشكالها، والا سيكون لهذه الدول تصرف آخر مع شبكات التواصل الاجتماعي.

باعتقادي ان علينا الاستفادة من تعامل اوربا مع هذه الشركات وكيفية تهديدها لها واجبارها على إزالة المحتوى المتطرف من منصاتها واتخاذ خطوات حقيقية وفاعلة في هذا الاطار، وقد رأينا كيف ان المفوضية الاوربية قد طالبت شركات التواصل في شهر أيلول الماضي بإزالة المنشورات الإرهابية والا فان هذه الشركات ستُواجه بتشريع قوانين رسمية تجبرها على القيام بهذه الخطوات.

الفيسبوك شركة تجارية بامتياز وارباحها التي تقوم باعلانها رسميا في كل فترة لاتدع مجالا للشك في ذلك، وهي لاترغب ان تخسر السوق في العالم العربي الذي يضم ملايين المستخدمين، ولذا

يجب التعامل معها على هذا الاساس وحينها ستنصاع الشركة لمطالب العرب فيما يتعلق بالمنشورات التي تهدد السلم الاهلي والاستقرار المجتمعي في اوطاننا.

واذا ادركت الحكومات العربية وبرلماناتها هذه القضية، حينها لن يتجاهل الفيسبوك هذه الحكومات ومؤسساتها التشريعية، وسيقف عند رغباتها وما تريده من هذه المنصة فيما يتعلق بملايين المنشورات التي تحمل طابعا متطرفا والتي يتم ضخّها على منصتها في كل ساعة.

مهند حبيب السماوي

باحث في مواقع التواصل الاجتماعي