بِرحيل الملا مصطفى البرزاني قائد الحركة الثورية في كردستان العراق عام 1979 في واشنطن أثر مرض عضال، لم يبقى للشعب الكردي في العراق سوى زعيمين ( مسعود البرزاني وجلال الطالباني ) البرزاني البيشمركة الذي لا يُقهر والطالباني فيلسوف السياسة، وبمرور عدة اعوام على نضالهم القومي لبناء الدولة الكردية انضم الى قائمة زعامتهم مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان كزعيم للشعب الكردي في تركيا الذي بدأ الكفاح المسلح عام 1984، واصبح للكرد ثلاثة زعماء لكل زعيمِ جزء خاص بهِ، في حين ظل الشعب الكردي في سوريا دون قائد، الامر الذي دفعهم للالتفاف إلى الاجزاء الاخرى ودعم الزعماء الكرد بالمال والسلاح حسب امكاناتهم المحدودة لاستمرار الثورة من خلال ثغرات حدودية بين سوريا والعراق وتركيا.

تغيرت الامور وتسارعت دون توقف، وبدأ ملف الأعتقال والاغتيال مفتوحاُ على مصراعيه ، فمن خلال متابعة الحركة الكردية في تركيا لا وجود لقادة يمثلون الشعب الكردي بعد اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان في كينيا فبراير 1999، وظلت القضية الكردية مرهونة بفكر زعيم الحزب مع ظهور بعض الشخصيات السياسية لتحتل مرتبة القيادة التي سرعان ما تم تهميشها داخلياٌ وخارجياٌ وتعرضهم للاعتقال من قِبل الحكومة التركية، والامر مختلف في كردستان سوريا حيث ظهرت قيادات كانت على وشك اعتلاء منصة الثورة ، لكن سرعان ما تم اعتقالهم واغتيالهم على ايدي اجهزة نظام البعث السوري، وكان ابرزهم شيخ الشهداء معشوق الخزنوي الذي تم اعتقاله عام 2005 واغتياله فيما بعد ورمي جثته في احدى المقابر داخل محافظة دير الزور، وجاء أغتياله بعد وضوح موقفه القومي الرافض لسياسة الاحزاب الكردية واصطفافه مع مطالب الشعب، ومن خلال خطابه القومي أربك النظام وحاشيته في سنوية الشهيد فرهاد صبري الذي أغتيل برصاص نفس السلطة في انتفاضة قامشلي 12 اذار 2004 التي اندلعت ضد الظلم والاضطهاد والقمع بحق الشعب الكردي، الانتفاضة التي اظهرت للعالم اجمع ان الشعب الكردي في سوريا لا يملك قائد لنيل حقوقه ، والحقيقة التي لن ينساها التاريخ من آخمد تلك الانتفاضة هم من وضعوا انفسهم قيادات للحركة الكردية في سوريا ( أشباه القادة ) بالتعاون مع نظام البعث، وكانت نتيجة ذاك التخاذل تفرد النظام اكثر بطغيانه وملاحقة المناضلين، حيث تم بعدها اغتيال الشهيد مشعل تمو ونصرالين برهك قادة الثورة الكردية ضد النظام في 2011، وعدة اعتقالات واغتيالات للمناضلين ، ولم يبقى سوى تلك القيادات التي قدمت الولاء للافرع الامنية واصبحت فيما بعد مجرد موظفين لدى القوى الكردستانية ورهنوا انفسهم للمال السياسي ليصبحوا في مصيراٌ مجهول، وكان النضال الوحيد لهم هي الشعارات الرنانة واستخدموا وسائل الاعلام لغسل عقول فئة صغيرة من الشعب للاصطفاف خلفهم ودعمهم بالتصفيق، وبالتوجه للحركة الكردية في إيران يوجد نظام الملالي الاكثر ديكتاتوريةِ وقمعاُ للحريات والقوميات حيث يقوم بإعدامات شبه يومية للمناضلين الكرد ، وربما انهيار جمهورية مهاباد واعدام القاضي محمد رئيس الجمهورية في مارس 1947 كانا بمثابة نكسة تاريخية للشعب الكردي برمته، فالقيادة السياسية اصبحت محدودة الحركة وملاحقة، واغتالت المخابرات الإيرانية زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عبدالرحمن قاسملوا في فيينا ( النمسا) عام 1989، وهنا تظهر بوضوح القواسم المشتركة للانظمة الغاصبة لحقوق الشعب الكردي وهي تصفية جميع المناضلين الكرد عبر التاريخ واستخدام القتل والقمع والاضطهاد لمنع قيام أي ثورة كردية حقيقية في المستقبل ، وبات امراٌ واقعاٌ ان بقاء الكرد في ايران وسوريا دون قائد يصب في مصلحة القوى الكردستانية وفق وجهة نظرهم الخاطئة من خلال التحكم بارادة الشعب وفق مصالحهم الجغرافية ، وفشلت تلك النظرية مع سقوط نظام البعث في العراق التي لم تؤدي الى قيام دولة كردية لغياب قادة حقيقيين في الاجزاء الاخرى وبقاء البرزاني والطالباني دون مساندة الامر الذي وضعهم تحت مصالح القوى العظمى والقبول بعراق جديد خرج من نظام البعث واصبح في عباءة ولاية الفقيه.

مع هذه التطورات أزدادت الخلافات داخل الاحزاب الكردستانية صاحبة القوة العسكرية والاقتصادية، ومن دون ادنى شك تلك الخلافات اصبحت سيفاَ بيد الاعداء، فمن بين الزعماء ظل الرئيس مسعود البرزاني وحيداٌ بعد وفاة مؤسس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الرئيس جلال الطالباني ، رغم تعرضه لعدة محاولات اغتيال في الداخل والخارج، ومن الصعب قيامه لوحده بتأسيس دولة كردية بفقدان التوافق السياسي الداخلي، فالقائد الأول دائما يحتاج إلى قادة لمساندته ودعمه والسير قُدماٌ خلف نهجه، والقوة العسكرية وحدها غير كافية، لإن وجود رجل سياسي بارع في مهنته متمسك بقوميته قادر ان يحقق على طاولة السياسة انتصاراُ اكثر من الف مقاتل على الارض ، وما زال قطار الحياة مُسرعا، لكن لم يفت الاوان للحاق بهِ والصعود إليه من محطة (هنا كردستان)، كل ما يلزم هو قيام البرزاني لبناء الثقة داخلياٌ وإعادة الهيكلية القيادية لكردستان سوريا وإيران وفتح الباب امام الشرفاء بعد انهاء خدمات اشباه القادة المتواجدين على الواجهة ، وربما حان قول هذه الحكمه : ان صنعتم العبيد فالمستقبل مجهول وان دعمتم الشرفاء فقد صنعتم قادة وانتم المنتصرون لا محالة.

كاتب وسياسي كردي