مع قرب موعد الانتخابات التشريعية العراقية القادمة، هناك حالة من الفوران والغليان المجتمعي والسياسي في العراق، خاصة بعد تشريع قانون الأحزاب المجحف والخطير، وخوف الكتل السياسية الحاكمة من تخلي الناخب العراقي عنها، بعد أن أبدى الشارع العراقي نفوره ويأسه من إصلاحها، من خلال عدد من استطلاعات الرأي، لقد أظهر المشاركون في تلك الاستطلاعات نفوراً واضحاً من الفئة السياسية المتسلطة بسبب الفساد والعجز في حل المشاكل الاجتماعية وعدم قدرتها في تسيير البلاد نحو التطور والازدهار والنمو ، فعلى عكس ما كان منتظراً من الطبقة السياسية الحاكمة، تسود الفوضى وانعدام الأمن والفقر وإنعدام الخدمات، حتى في أبسط اشكالها، والأخطر من كل ذلك التفتت، المجتمعي وإنحسار شعور الإنتماء الوطني وحضور مبدأ المواطنة وسيادة القانون والدستور والديموقراطية الحقيقية ، في حين تتنامى النزعات الطائفية والعشائرية في إدارة دفة الشؤون المجتمعية حيث البناء السياسي كله قائم على مبدأ المحاصصة الطائفية بالنسبة للأحزاب السياسية الدينية ، سنية وشيعية، والقومية بالنسبة للأكراد. 

سوف تتواجه فئتان سياسيتان متمايزتان في الانتخابات القادمة هما، الفئة السياسية الحاكمة الفاسدة التي نهبت ثروة البلد وهي التي تحكم بإسم الدين والمذهب والطائفة وتشعر أنها مهددة بسبب الاستنفار الجماهيري ضدها والتظاهرات الاحتجاجية التي ينظمها نشطاء المجتمع المدني والتيار المدني الديموقراطي الذي التئم مؤخراً في كيان سياسي هو تحالف القوى الديموقراطية المدنية " تقدم" الذي سوف يشكل الكتلة المنافسة الكبر والأخطر على الكيانات السياسية الهجينية التي تحكم العراق منذ العام 2003 بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول المنطقة الإقليمية كإيران وتركيا والعربية السعودية ودول الخليج ، لذلك تحاول الكيانات أو المجموعات السياسية الإسلامية ، دينية وشيعية، عرقلة تقدم الكتلة الجديدة التي انبثقت وظهرت على الساحة السياسية بقوة من خلال سن قوانين معرقلة كتجديد البطاقات الانتخابية ما يعني أن أربعين بالمائة، على الأقل، من الناخبين المحتملين المؤيدين نفسياً أو سيكولوجياً للتيار المدني الديموقراطي ، وربما لا حقاً لتحالف القوى الديموقراطية المدنية " تقدم " ومعه مجموعة أخرى من التحالفات التقدمية العلمانية واليسارية أو الليبرالية الصغيرة، غير الدينية، كتحالف السياسية الليبرالي ، والمعارض السابق لنظام صدام حسين، غسان العطية وتحالف مجموعة شروق العبايجي، المنشقة عن التيار المدني الديموقراطي الذي أوصلها إلى مجلس النواب كنائبة عنه إلى جانب التشكيل السياسي الذي يقوده المحامي فائق الشيخ علي النائب في البرلمان أيضاً عن التيار المدني الديموقراطي، وغيرهم من الذين سوف ينضمون لتحالف انتخابي أوسع سيدخل بقوة لسحب البساط الجماهيري من تحت أقدام القوى الدينية الطائفية الإسلاموية التي هيمنت على المجتمع العراقي طيلة أربعة عشر عاماً ، منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 ولغاية اليوم. كما سنت قانون انتخابي مهين ومتخلف ومتحيز مفصل على مقاسها بغية منع الآخرين من تشكيل قوة انتخابية موازية أو معارضة يمكن أن تستقطب الجماهير في العراق من مختلف الانتماءات والمكونات الأساسية للمجتمع العراقي. ومن الأدوات الأخرى لسعي القوى المهيمنة على السلطة في العراق هو محاولة تحكمها بالشعب العراقي ومنعه من التعبير عن رأيه باستحداث جريمة الرأي من خلال قانون الأحزاب الذي يمنع تجمع أكثر من شخصين والتحدث في السياسية أوممارسة السياسة ونشر البيانات والمواقف والآراء ويهدد بزجهم في السجن عدة سنوات وغرامات مالية هائلة بغية ردعهم وتخويفهم خاصة إذا لم يكونوا منضوين تحت لافتة حزبية ، وهناك شروط شبه تعجيزية لتشكيل الأحزاب السياسية بغية منحها الإجازة القانونية في حين تمنح لأشخاص من أوساطهم حتى قبل توفيرهم للشروط التمهيدية المطلوبة كأن يكون لديهم 2000 عضو على الأقل من كافة أنحاء العراق ومبلغ من المال يصل إلى 35 ألف دولار قبل الشروع بطلب إجازة الكيان السياسي المزمع تشكيله، فأغلب الكتل السياسية المهيمنة قامت بتأسيس كيانات متعددة بأسماء مختلفة . كما صاروا كلهم يرددون كالببغاوات شعارات وأطروحات التيار المدني العلماني الديموقراطي ويدعون أنهم ضد المحاصصة الطائفية ومع الدولة المدنية الديموقراطية بعد أن حاربوها وحاولوا تسقيطها واتهامها بشتى التهم الظالمة كالإلحاد والتفسخ الأخلاقي ومحاربة الدين الخ.. وعمدوا إلى تجهيل المجتمع عبر نشر ودعم المظاهر المتخلفة والممارسات الغبية والخرافية ومحاربة الثقافة والفكر والتنوير وكبح تنمية الوعي الجمعي والفردي عند المواطنين. الفوضى والجهل والتخلف هي المظاهر الغالبة والطاغية على الحياة الإجتماعية في العراق بسبب ممارسات هذه الفئة الحاكمة والرابضة على صدر المجتمع العراقي منذ لحظة التغيير إلى يوم الناس هذا. 

هناك مؤشرات تنذر بالخطر تتمثل بمحاولة استغلال " الحشد الشعبي" ودوره في محاربة تنظيم داعش الإرهابي ودحر دولة الخلافة الإسلامية المزعومة بزعامة الإرهابي أبو بكر البغدادي علماً بأنه ليس الوحيد الذي قدم التضحيات الجسام فهناك قوى الجيش وقوى الأمن من وزارة الداخلية وطيران قوات التحالف الدولي التي بدونها ما كان بالإمكان تحقيق هذا الإنجاز العسكري الكبير المتمثل في استئصال الوجود العسكري لداعش ، لكن وجودها الفكري والآيديولوجي ما يزال قائماً حتى من خلال تشريعات وسلوكيات ومواقف أهل السلطة أنفسهم الذين لا يقلون خطورة وتخلفاً عن ممارسات داعش على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والعقائدي، فهم يعملون على زج الحشد الشعبي في العملية السياسية ككيان سياسية لاستغلال شعبيته الجماهيرية. كما قاموا بسن قانون الحشد الشعبي ، المليء بالثغرات والنواقص والتناقضات، ومن تداعياته دمج القوى المدنية المسلحة خارج إطار القانون ، كالمليشيات ، في صلب الكيان العسكري المسلح كالجيش ، علماً بأن ولاء ومرجعية أغلب تلك القوى المسلحة هو لزعمائها الدينيين ومموليها الإقليميين وليس للدولة العراقية ورأسها القائد المتمثل بالرئاسات الثلاثة وعلى الأخص برئاسة مجلس الوزراء ومجلس النواب إلى جانب ورئاسة الجهورية البروتوكولية الفاقدة للسلطة الحقيقية على أرض الواقع.

من المتوقع أن تكسب الفئات الماسكة بمفاصل الدولة والسلطة في العراق ، الجولة الإنتخابية القادمة بسبب سيطرتها على وسائل الدعاية والإعلام وامتلاكها لقدرات مالية وجيش إلكتروني وشراء للعشائر وأصواتها نظراً لإمكانياتها المالية الهائلة الأمر الذي يفتقده تحالف " تقدم للقوى الديموقراطية المدنية الذي ربما سيحتاج لأكثر من دورة انتخابية قادمة كي يترسخ في ذاكرة الناخبين وينجح في توعيتهم سياسياً ، وبخلاف ذلك يحتاج الأمر لمعجزة أن يعي الشعب العراقي برمته مدى الكارثة المحيقة به ويعلن للملأ رفضه لهؤلاء اللصوص الذي نهبوا ثروته وتركوه يعيش في الحرمان والتخلف والجهل والفقر والمعاناة ويواجه وحده الأزمات والكوارث التي تواجهه في كل يوم.