ايام الحرب الباردة كان هناك تعبير شهير لاظهار ارتباط المعسكر الشيوعي المطلق بموسكو . لا اتذكر بالضبط التعبيرحرفيا ولكن كان بمعنى اذا عطست موسكو فان الاحزاب الشيوعية والحركات التي كانت تدعي الاشتراكية والتقدمية في كل انحاء العالم كانت تصاب بالزكام . 

اما اليوم فيمكن القول اذا اصيب البيت الابيض بالاضطراب فان معظم دول العالم الثالث ستصاب بالدوخة و فقدان التوازن وزيادة التعقيد في القضايا الدولية .

 اليوم يعاني البيت الابيض من الاضطراب بسبب مشاكل الرئيس ترامب المعروفة بفضيحة التآمرعلى مرشحة الحزب الديمقراطي السيدة هيلاري كلينتون في منعها للوصول الى البيت الابيض وذلك بدعم روسي . 

 اجزاء كبيرة في العالم لاسيما منطقة الشرق الاوسط مرشحة للتعرض الى الزيادة في عدم الاستقرار المتفشي اصلا الآن واشتداد الازمات وتعقد المشاكل وستبقى الكثير من المشاكل العالمية عالقة دون حلول والسبب هو هشاشة الوضع في ادارة الدولة العظمى .

الاوضاع في البيت الابيض حاليا تذكرنا بالهزات التي تعرض لها في سبعينات القرن الماضي واعني بذلك فضيحة ووترغيت والتي انتهت باستقالة الرئيس نيكسون .

الرئيس ريتشارد نيكسون كان سياسيا محنكا وشخصية قوية حيث كان نائبا للرئيس الامريكي الجنرال دوايت ايزنهاور من 1952 الى 1960 . الجنرال دوايت ايزنهاور كان من المع القادة العسكريين الذين حققوا النصر الامريكي في الحرب العالمية الثانية ووصل الى سدة الرئاسة . هذا التاريخ الحافل لنيكسون لم تنقذه من مصيره المحتوم بسبب تلك الفضيحة .

اول الغيث في تداعيات اضطراب البيت البيض حينها كان وصول جيرالد فورد الى منصب الرئاسة وهو اول رئيس في التاريخ الامريكي يصل الى ذلك المنصب دون ان يخوض اية انتخابات .

شكلت طريقة وصول فورد الى الرئاسة عقدة نقص فيه لم يتعافى منها طيلة اقامته في البيت الابيض. لقد اصبح رئيسا للدولة العظمى بالصدفة وبالتحديد بسبب فضيحة ووترغيت . 

اي لولا فضيحة السلف لما اصبح رئيسا خلفا .

اكثر من استفاد بل واستغل ذلك الظرف الاستثنائي للبيت الابيض المضطرب كان هنري كيسنجر .

كيسنجر كان مستشارا للامن القومي للرئيس نيكسون 1969 ــ1974 ثم اصبح وزيرا للخارجية في عهد فورد 1974 ــ 1977 .

في تلك الظروف اصبح كسنجر سيدا لا بل فرعونا في البيت الابيض واصبح هو من يدير كل السياسة الامريكية .

كيسنجر كان ميكيافيليا بكل معنى الكلمة وكان السبب في المجازر التي اصابت الكثير من الشعوب والدول في تلك الفترة .

على سبيل المثال كان كيسنجر مهندس جريمة الانقلاب في شيلي ووصول الجنرال الجزار بينوشة الى الحكم وقتل مئات الالوف من الشيليين .

كيسنجر كان عراب المصالحة بين اسوأ ديكتاتورين شاه ايران رضا بهلوي والرئيس العراقي صدام حسين للقضاء على الثورة الكردية بقيادة الملا مصظفى البرزاني عام 1975 دون اية اعتبارات للخلافات القومية والطائفية العميقة بين الفرس والعرب . اتفاقية الجزائر ــ وهي اتفاقية خبط لزق كيسنجرية انتهازية ــ كانت السبب في اندلاع حرب الثماني سنوات بين العراق وايران وبقية التداعيات معروفة وصولا الى الغزو الامريكي للعراق .

البيت الابيض الآن هو في مهب الريح مرة اخرى بسبب فضائح الرئيس ترامب . الادارة في البيت الابيض تتعرض الآن الى هزات عنيفة من تعيينات سريعة التبخر الى الطرد باسرع منها بدءا من فلين وو .... .

السؤال هنا هل سيؤدي الغليان الدائر حاليا في البيت الابيض الى ظهور كيسنجر جديد ؟

وقد يكون الكيسنجر الجديد ليس من طراز كيسنجر الاصلي بل قد يكون افضل من الرئيس نفسه و يصبح بذلك منقذا لامريكا والعالم من ترامب وشلته العجيبة .

وقد يكون العكس صحيحا ايضا بحيث سنفتقد الكيسنجر الاصلي.