مايحصل اليوم في إقليم كردستان من أحداث وتطورات متسارعة تدعو الى التأمل والتفكير فيما نحن مقبلون عليه..ففي وقت يعيش فيه مواطنو كردستان أحلك أيامهم مع تفاقم الأزمات المعيشية والنهب المستمر لثرواتهم، وشروع قيادة الإقليم بخلق نظام أشد بغضا من الأنظمة الشمولية التي باتت تنقرض في معظم أنحاء العالم.في هذا الوقت نرى ونلمس إهتماما دوليا كبيرا بالشعب الكردي في شطريه العراقي والسوري عدا شطري تركيا وإيران. ففي حين نسمع يوميا تصريحات مشيدة ببطولات الكرد في الحرب ضد داعش، ومدحا ببعض قادة الأحزاب في الشطرين الأولين الى حد تقليد بعضهم أوسمة ونياشين وأنواط الشجاعة، نجد بأن الدول ذاتها تدير ظهرها لكرد تركيا و إيران، وهذا ما نستطيع وصفه بإزدواجية المعايير..

هذا التعامل المتناقض يطرح أمامنا سؤالا مهما وهو"هل يتعرض الكرد اليوم الى الإستغباء والإستحمار على يد المجتمع الدولي كعادتهم، أم أن هناك فعلا توجها جديدا لدى المجتمع الدولي لدعم حقوق الشعب الكردي في تقرير المصير"؟.السؤال مرده الى هذا الإهتمام الدولي المفاجيء وغير المسبوق بالشعب الكردي،خاصة بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة وإحتلاله أجزاءا واسعة من أراضي العراق وسوريا..فنحن نلاحظ بأن قادة ووزراء من شتى دول العالم بدؤا يتقاطرون على إقليم كردستان في الآونة الأخيرة ما أصاب بعض قادته بنوع من التعالي والغرور المرضي، حتى أثر ذلك على الوضع العام بإقليم كردستان وبالعملية السياسية الجارية فيه.فحزب بارزاني الذي يتباهى دائما ويتفاخر بنجاح دبلوماسيته الخارجية يستغل هذه الزيارات لإظهار نفسه كحزب قائد في كردستان، ومن هذا المنطلق بدأ يدشن لحكم ديكتاتوري بغيض يقوم على أساس التوريث العشائري والعائلي،ولايتوانى في لحظات غرورو وزهوه بأن يطيح بالبرلمان المحلي المنتخب من قبل الشعب، ولا يتردد في طرد وزراء حزب حليف له من الحكومة، ولا عن سرقات النفط وإشاعة حالة من الفساد الفظيع في عموم مرافق الإدارة، والأهم من ذلك هو تحدي الحكومة الإتحادية والتهديد بالإنفصال!..ويسوق إعلامه الحزبي لمقولة بأن الشخصية القيادية الفريدة لرئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني هي التي تجذب هذه الشخصيات العالمية الى كردستان، ويحاولون إظهار بارزاني كقائد ضرورة لايمكن لكردستان أن تقوم من دونه، ساعين بذلك الى تثبيت قبضته على السلطة الى الأبد ثم توريثها لأبنائه.

لقد كان الشعب الكردي موجودا على أرضه منذ آلاف السنين، وقبل أكثر من خمسة قرون تم تقسيم أرض كردستان،وطوال تلك الفترة كان الكرد مهمشين ومنسيون،ولم تنبري قوة عالمية أو دولة محبة وداعمة لحقوق الإنسان لتدافع عن مظلومية الشعب الكردي وحقه بتقرير المصير، فبقيت كردستان بأجزائها الأربعة محكومة من قبل آخرين وشعبها مقموع مضطهد تصادر منه حتى حقوقه في التحدث بلغته الأم.

لاشك أن هناك إهتماما دوليا بالكرد اليوم، ولكن المؤكد بأن هذا الإهتمام ليس حبا بسواد عيون الشعب ولا هياما بالشعر الغجري المجنون الذي يسافر في كل الدنيا،بل هذا الحب والغرام هما وليد مخاطر الإرهاب الداعشي الذي باتت يهدد دول العالم في عقر دارهم، والقوة الوحيدة الفاعلة في ساحة المواجهة ضد الإرهاب هي القوة الكردية التي تقاتل على أرض المعركة في كل من العراق وسوريا بوكالة الآخرين..فبعد إنهيار الجيشين العراقي والسوري تقدم الكرد الى الساحة وتطوعت قياداتهم للتضحية بشبابهم من أجل حماية دول العالم من الإرهاب، ولذلك فإن تلك الدول حينما تبعث برؤسائها ووزرائها الى كردستان للقاء تلك القيادات إنما تمارس نوعا من الخداع وسياسة الإستغباء من أجل حماية مصالحها، وعلى مر التاريخ كان الكرد بسذاجة قياداتهم مستعدون لخوض الحروب بالنيابة عن الآخرين!.

ومن جانب آخر يكمن سر الإهتمام الدولي بكردستان مؤخرا بإكتشاف الثروة النفطية فيها، فتلك الثروة أسالت لعاب الشركات الأجنبية التي تتحكم في العديد من دول العالم بسياسات حكوماتها،لذلك فإن قيادة الإقليم التي تتفاخر بعقودها النفطية مع العديد من الشركات النفطية العالمية، لا تتوانى حتى عن رهن إرادتها وسياساتها الإقتصادية بيد تلك الشركات وأصحابها من دول الإقليم والعالم، وكل ذلك على حساب تجويع الشعب وتحويل ثروته النفطية من نعمة الى نقمة. وبطبيعة الحال فإن الفساد الذي يضرب بأطنابه في كردستان تجني من ورائه القيادات الكردية الملايين والمليارات بتغطية من تلك الشركات. فعلى سبيل المثال حين يحصل نائب بريطاني من أصل كردي عراقي على أرباح سنوية تفوق عشرات الملايين من الدولارات من سرقات نفط كردستان عبر شركته الخاصة، فإنه لابد أن يستغل منصبه للدفاع عن هذا النظام الفاسد في كردستان.وهناك أيضا سفراء وجنرالات وممثلو حكومات جاؤا مع دخول الأميركان الى العراق الذين تحولوا بعد تقاعدهم الى أصحاب أو شركاء أو مندوبين لشركات نفطية وإستثمارية يجنون مليارات الدولارات سنويا من تعاملاتهم مع القيادات الكردية لقاء تجميل الوجه الكالح لتلك القيادات لدى دولهم وحكوماتهم..

إن السرقات النفطية وسكوت العالم عن محنة الكرد بإقليم كردستان ومعاناتهم مع فقدان الخدمات وتدني الرواتب وإفشاء البطالة في دولة نفطية والفقر الذي أصاب معظم العائلات خارج السلطة، وإنعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء تعتبر في أقل تقدير لها، جريمة جماعية وإبادة شاملة تمارسها السلطة بإقليم كردستان وتسكت عنها تلك الدول والشركات لدواعي مصالحهم الشخصية. ناهيك عن لجوء السلطة الى تجنيد الإعلام المحلي والدولي لخدمة تلك السرقات، فمؤسسة عراقية يقودها شخص بروليتاري سابق تحول بدوره الى بوق إعلامي لتمجيد القائد الضرورة، وهذا ديدن كل البروليتاريين المتحولين الى برجوازيات صغيرة، أضف الى كل ذلك سعي هذه السلطة لشراء ذمم العديد من الصحفيين العاملين بمؤسسات صحفية عالمية ودولية عربية وأجنبية.

إن مشاركة بعض زعماء ودول العالم بنفخ دكتاتور كردستان وسكوتهم المخزي عما يعانيه شعب كردستان من الجوع والفقر وإنعدام وسائل الحياة تعتبر تنكرا وتراجعا مشينا عن كل إدعاءات المجتمعات المتحضرة عن قيم ومباديء حقوق الإنسان، فتلك الدول التي طالما تبجحت بأنها قلعة الديمقراطية العالمية ترى بأم عينيها كيف أن السلطة بإقليم كردستان تعطل البرلمان ويغتصب رئيسه السلطة عنوة رغم إنتهاء ولاياته القانونية، وكيف أن شخصا واحدا يدير الحكومة منذ سبعة عشر عاما، وكيف أفلس هذا الرئيس الإقليم حتى بات عاجزا عن تدبير ربع رواتب موظفيه ورزحت حكومته تحت أعباء ديون متراكمة تقدر بأكثر من عشرين مليار دولار نتيجة سرقات النفط والتلاعب بمقدرات الشعب..

إن المجتمع الدولي مدعوة اليوم الى التدخل لوقف هذا التوجه نحو إعادة الديكتاتورية الى كردستان، فنظام شمولي بدأ يطل برأسه في إقليم كردستان عن سابق تصميم وترصد من قبل العائلة البارزانية، ما سيعيد الى أيام الديكتاتورية والقمع السلطوي ويطيح بكل تلك الشعارات والأهداف التي إنطلقت من أجلها عملية تحرير البلد من دكتاتورية صدام وبناء عراق ديمقراطي جديد يشعر فيه الإنسان بكرامته الإنسانية وبحقوقه وحرياته الديمقراطية..