لم يكن مفاجئاً مواصلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصعيد خطابه المعادي لطهران، فهو يفي بوعوده الانتخابية، ويستغل إجراء إيران اختبار إطلاق صاروخ بالستي، فيعلن بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، في ما يتعلق بالرد على تلك التجربة، مؤكداً أن الخيار العسكري ليس مستبعداً، ويؤكد أن الجمهورية الإسلامية كانت على وشك الانهيار، حين أنقذتها واشنطن بواسطة اتفاق بقيمة 150 مليار دولار، وفي الأثناء تم تسريب أنباء عن فرض عقوبات على نحو 25 كياناً إيرانياً، بتهمة الارهاب والأنشطة المرتبطة بالصواريخ البالستية.

جاء رد إيران سريعاً واضحاً، إذ أكدت أنها لا تأخذ إذناً من أحد للدفاع عن نفسها، وشددت أن الصواريخ التي تختبرها دفاعية، وأنها ستواصل أنشطتها الصاروخية بقوة، وذكّرت واشنطن بهزيمتها في أفغانستان، ودعت ترامب أن لا يجعل نفسه ألعوبة، وأن يتعلم ممّن خاضوا هذه التجربة في السابق، حيث لا طائل من التحدّي الفارغ والأجوف، ودخلت موسكو على الخط وهي تشهد بداية أزمة، قد يؤدي التهور إلى حرب تشعل المنطقة مجدداً، بعد أن شهدت بداية سقوط التجربة الداعشية، فحذّرت من أن أي إجراءات جذرية، بما في ذلك فرض عقوبات، من شأنها في الظروف الحالية أن تعقّد تنفيذ الاتفاق النووي بنجاح، والمدهش أن الصحافة النفطية لم ترى عيوب هذا العنصري وبادرت للإشادة بمزاياه، وأبرزها عندهم عزمه على مراجعة الاتفاقات مع إيران، العدو الأبدي والوجودي لطائفة "أهل السنة" .

ترامب في موجة العداء لإيران، ليس أكثر من صدى للكثيرين من أساطين اليمين المتطرف، وهناك اليوم مشروع قانون ينص على فرض عقوبات جديدة ضد الحرس الثوري وشركة ماهان للطيران، وشركة الطيران الإيرانية، وعلى أي جهة مُسيطر عليها من قبل المنظمات المشرفة على الصواريخ الباليستية، والأشخاص الذين يساعدون ايران في برنامجها الصاروخي، وعقوبات جديدة على خلفية "الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان"، وفي مستوى آخر تم تحذير طهران بأن الإدارة الجديدة لن تسمح بتحول مياه البحر الأحمر إلى مياه إيرانية، وأنه سيتم التوجه إلى الشركاء والحلفاء في المنطقة والخليج، لإقامة حلف أميركي-غربي- عربي، لمواجهة التمدد الإيراني، وربما يكون ما يحدث في اليمن الترجمة الأولى للموقف الأميركي.

من حق إيران بل من واجبها الشعور بالقلق، وليس مفيداً الرد على ترامب بنفس لغته، والتبجح بأنها لاتعبأ بالتهديدات الأميركية، وأنها لن تبادر بشن حرب، ولن تستخدم أبدا قوتها العسكرية ضد أي دولة، إلا في حالة الدفاع عن نفسها، وأنها  تستمد الأمن من شعبها، ويمكنها دوما الاعتماد على وسائلها في الدفاع والأصح هو أن تدرس بعناية قرار إقامة مناطق آمنة في سوريا واليمن، وهو قرار يقوض كل خطط طهران التي أنفقت عليها مليارات الدولارات، خصوصا وأن روسيا لا تعارض القرار، وأن فرنسا تعلن قلقها إزاء استمرار التجارب البالستية المعيقة لعملية إعادة بناء الثقة، التي أرساها اتفاق فيينا حول برنامج إيران النووي، رغم تشديد طهران أن برنامجها الصاروخي ليس جزءا من الاتفاق النووي، ولا يشمله القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن، وأن الصواريخ الإيرانية ليست مصممة لحمل رؤوس نووية، وليس مفيداً اعتبار موسكو أن ايران لا تنتهك القرار الدولي حول برنامجها النووي.

مؤكد ضرورة عدم الاستخفاف بمشروع القرار المطروح في مجلس النواب الأميركي حول تفويض الرئيس توجيه "ضربة عسكرية وقائية" ضد إيران، والحذر من تفعيل "مشروع تغيير النظام" في إيران من جديد، خصوصاً وأن فريق ترمب يتشكل من شخصيات معادية للنظام الإيراني وللاتفاق النووي، ويعتقدون بضرورة إسقاط نظام الجمهورية الإيرانية، وأن الأكثرية الجمهورية الحالية في الكونغرس المعارضة لسياسات أوباما، قد تغتنم الفرصة في عهد ترمب للتعويض عما فاتها في السابق.