كان المغني الفذ محمد عبد الوهاب يغني (ياوابور قل لي رايح على فين) واحتل القطار مكانا خاصاً في الروايات والافلام ، ولا سيما الغربية.... فللقطار اسراره وأحاديثه وتأريخه، ولكل منا ذكرياته القطارية مابين امس واليوم. وأمسى القطار غير قطار ايامنا ، سواء ان كان تحت الارض او عليها... وهاهو صديقنا المبدع الجنابي، شاعراً وكاتبا ومترجما، يتحفنا بباكورة انتاجه القصصي، في قصة طويلة تحليلية وشبه بوليسية ("المرآة والقطار" عن دار التنوير، بيروت)، حيث يحلق بنا الخيال، ويدخلنا في الانفاق والدهاليز، واذ تختلط الدموع بالدولارات. قصة قطار وراكبة ، شخصان ، بطل القصة ، واختيار اسمه هو بحد ذاته يدل على البراعة وحسن الانتقاء، لان الرجل غارق في التخيل ومنقطع عن الواقع. ونصل اخيراًالى حطام القطار وبقايا جثة شخصان.... 

قصة الجنابي تثير ذكريات لذيذة وموجعة، واتذكر خاصة قطار الموت لانقلابيّي 8 شباط الدموي لعام 1963، حين زج االانقلابيون بعدد كبير من المناضلين في قطار للبضائع، في شهر الحر ألشديد، وأغلقوا النوافذ والأبواب ، بلا طعام ولا ماء ولا هواء، كانوا مخططين لاغتيال المناضلين إما عطشا او واختناقا، ولكن خاب مآلهم بفضل صمود المناضلين وبفضل الشعب... ولكن المئات من رفاقهم كانوا قد قتلوا بالتعذيب او إعداما، وفي المقدمة عبد الكريم قاسم وحسين الرضيّ... 

وتأتيني ذكريات الطفولة وأوائل الصبا ونحن نزور مدينة كربلاء في قطار بطيء وحيث يتوقف عند العشرات من المحطات ، وفي كل محطة نرى الباعة يتزاحمون امام النوافذ المفتوحة لبيع ما لديهم. وسافرت للموصل اكثر من مره، وهو ما يذكرني اليوم بمأساة المدينة على ايدي وحوش داعش،فمسدسات داعش وسكاكينه تظل خطراً داهماً، هنا كما في المقاهي والساحات والفنادق واماكن السياحية، وبعد ان سلمها لهم هدية مسؤول ، لم يحاسب ولم يعاقب ، بل على العكس ، يواصل خطبه ووعوده وانذاراته، محاطا بالمليشيات وبحماية سليماني... ومن اوجع ماسي القطار حين يصطدم قطاران، فيذهب العشرات ضحايا ، ما بين قتيل وجريح ، ففيما يتطلعون من النوافذ الى القطار ، منصرفين الى الخواطر والفضول ، فاذا بكارثة الموت تأتيهم فجأة وغدرا\ث. واليوم ، وفي المدن الغربية خاصة ، يطل شبح الموت على القطارات الارضية وما تحت الارض.

الجنابي يقدم لنا مادة دسمة للتأمل ، والتذكر، راجين ان يواصل إنتاجه القصصي الجميل.