حكاية براءة «مبارك» من تهم قتل متظاهري ثورة 25 يناير ليست جديدة فقد سبقها براءات كل وزراءه وأركان حكمه، ما الداعي أذن لكل هذا الوقت في محاكمات امتدت لنحو ست سنوات، تحلى أهالي الشهداء خلالها بالصبر أملا في حكم القانون بالقصاص ، بعض فئات الشعب شككت في جدوى المحاكمة ، وإن بقي المشهد الأبرز هو حكم الشعب على مبارك في 11 فبراير 2011 بالاطاحة به من السلطة حين أجبروه على التنحي.

اليوم وبعد مرور ست سنوات على تنحيه ، أسمع في الشارع كثيرا من المصريين يترحمون عل أيام مبارك، ويلعنون الثورة ومن قام بها، البعض ارتاح للحكم بالبراءة والبعض الأخر شعر أن دماء أبنائهم راحت هدرا ، ويبقى السؤال من قتل المتظاهربن؟ من قتل 850 ممن خرجوا مطالبين بالتغيير والاصلاح وآملين في عيش وحرية وعدالة؛

من قتلهم له حساب أليم في يوم تشخص فيه الأبصار حتى لو افلت من عقوبة الدنيا، لكن تبقى قضايا عدة مترتبة على حكم البراءة ومن أهمها قضية استرداد الأموال المهربة إلى خارج مصر، الآن بات موقف لجنة استرداد هذه الأموال أكثر صعوبة، لأن الدول لن تعيد هذه الأموال إلا بحكم قضائي ، مصر في حاجة ماسة لهذه الأموال المنهوبة، حجم هذه الأموال التي هربت في عهد مبارك حسب تقديرات مؤسسات دولية فاق 132 مليار دولار، رقم ضخم في بلد كان يلهث وراء صندوق النقد الدولي ليحصل على 12 مليار دولار، مبلغ قلب حياة المصريين رأسا على عقب، وأجبر الحكومة على اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة مثل رفع الدعم عن المحروقات وتعويم الجنيه، ومن المضحكات المبكيات أن بلدا بحجم مصر يبلغ احتياطي النقد الأجنبي فيه 26 مليارا ، وهذه أعلى زيادة في الاحتياطي، وقبل ذلك كان الاحتياطي أقل من هذا المبلغ بعشرة مليارات، في حين أن دولا صغيرة لديها صناديق سيادية بمبالغ تفوق التريليون دولارا.

عشرات المليارات التي خرجت من مصر ، واحدة من أصل الأزمة التى نعيشها الآن. «حسني مبارك» ورجاله براءة ، لكن الا يوجد أمل فى استرداد ما هربوه من أموال من أجل شعب يكتوي بنيران افعاله ، ورئيس حالي يفعل المستحيل ليعيد مصر إلى مكانتها المستحقة. 

كلمات مبارك في محاكماته بعد ثورة يناير ركزت على شيء واحد وهو أن كل الاتهامات الموجهة إليه عارية عن الصحة وأنه مظلوم ، اليوم مبارك يريد أن يحج إلى بيت الله الحرام ، وياليته في هذا المكان المقدس أن يخل بنفسه وبراجع حساباته ، ويصغى إلى صوت أم مكلومة ، فقدت ابنها في الثورة ، وأب انتحر نتيجة عدم قدرته على توفير لقمة عيش لابنائه ، بسبب سوء أحواله المادية عقب تفريغ خير مصر على يد حفنة من اللصوص، أختارهم وتربوا على عينه ، لعل وعسى يتراجع ويعيد الأموال إلى الشعب ، كل الناس خطأون وخير الخطأئين التوابون، فما بالك بظلم شعب بأسره ، ليتذكر مبارك ما قاله في أول يوم تولى مسئولية الحكم في مصر " الكفن مالهوش جيوب " وليعترف بأخطائه فى حق شعبه ربما يشعر بتأنيب الضمير فيتوب إلى الله قبل فوات الأوان.