من عادة الحكومات العربية عدم الإتفاق على أي شكل من الأشكال التي تعود بالمصلحة على المواطن العربي لتحقق حلمه في حدود مفتوحة أو تكامل إقتصادي وتجارة حرة بين دوله. الشيء الوحيد الذي يعبر الحدود كلها مع إختلافات في الأسماء أو كيفية التحايل على اللغة لتوصيفه في وحده عربية غير مسبوقة هي العملية القضائية لدفنه وتحريمه والتخلص منه كوباء تتحد في مواجهته كل الحكومات هو حرية التعبير بكل أشكالها؟؟؟ سواء في الفن أو الأدب أو الإعتقاد.. كلها ’معرّضة شعبيا وحكوميا لتهم تختلف أسماؤها ولكن النتيجة واحدة البقاء في مستنقع الجهل؟

الفصل الجديد في قمع هذه الحرية.. وفي القضاء على الحرية الفكرية وتحريم الإبداع تتجلى اليوم في التحقيق مع الكاتب الجزائري الشاب أنور رحماني (25 ) بتهمة الإساءة إلى الإسلام في روايته " مدينة الظلال البيضاء " التي نشرها على الإنترنت في آب 2016. 

تدّعي الجزائر كما الدول العربية الأخرى بحرية الإعتقاد والعبادة والحرية الشخصية ولكن التحقيق مع الكاتب يؤكد عكس ذلك تماما. حيث كان من ضمن أسئلة المحققين على مدى 6 ساعات تحقيق "هل ’تصلي "؟ هل تؤمن "؟؟ لماذا اهنت الله؟؟ لماذا كتبت مثل هذه الرواية؟؟؟ واتفقوا على أن لهجة الرواية الساخرة أهانت الإسلام؟؟؟ وأن مفرداتها الجنسية تتعارض مع الأخلاق الحميدة.

وعليه وطبقا للمادة 144 من قانون العقوبات التي تنص على عقوبة السجن من 3-5 سنوات وغرامة تصل ما ’يقارب 914 دولار سيحاكم بتهمة الإساءة إلى الرسول أو الإستهزاء بمعلوم من الدين وبأي شعيرة من شعائر الإسلام؟؟؟؟؟ ويضيع الشاب ومستقبله في مجتمع جرّمه لمحاولته الأدبية؟ 

وحدة الدول العربية تتجلى في القضاء على أي إنسان يستعمل حرية التعبير سواء في الأدب كما في حالة الشاب الجزائري أو حتى في محاولة تجميل أو تفسير التراث الديني بطريقة جديدة. كما في حالة الشيخ المصري محمد نصر الذي عمل على مناهضة الأفكار التي تتنافى مع العقل والمنطق مثل ما جاء في صحيح البخاري عن عذاب القبر والثعبان الأقرع؟؟ وما جاء في صحيح مسلم حول بعث الرسول بالسيف؟؟ وحذّر مرارا من خطورة لبس النقاب؟؟ وإشتهر بتوجية النقد لمؤسسة الأزهر منتقدا مناهجها التي تحتوي على الكثير من التراث الديني المؤسس للعنف والتمييز؟؟؟ وكلها تصب في مصلحة التجديد والتنوير. ولكن وكما حكمت المحكمة سابقا على الروائي كرم صابر عام 2014 والباحث إسلام البحيري 2015 والصحفية فاطمة ناعوت 2016 بالسجن وحكمت بسكوتها في السابق بعد تكفير مؤسسة الأزهر للدكتور فرج فودة بالقتل؟؟ حيث وبسكوتها أعطت رخصة ضمنية لأي مواطن لتطبيق الحد.. مما أدى إلى قتله؟؟؟ حكمت في يوم 26 فبراير على الشيخ نصر بتهمة إزدراء الإسلام.. وإنكار معلوم من الدين طبقا للمادة 98 من إزدراء الأديان لأنه فسّر حد قطع اليد في السرقة على انه تهديد ضمني ولا يعني البتر بالضرورة بل يعني المنع. 

نعم كل الحكومات العربية تعمل بشكل أو بآخر بتوجيه تهمة الإزدراء للدين الإسلامي؟؟ ولكن والحق ’يقال فإن قوانين المساواة والعدل والمواطنة ’تحتم أن ’توجه التهمة أيضا لمن يزدري أي من الأديان الأخرى لمواطنين يعيشون فيه ولهم الحق في إحقاق حقوقهم أيضا؟؟ وعلية فلماذا لم توجه الحكومة المصرية تهمة إزدراء الدين المسيحي والتحريض على العنف ضد دور العبادة للدكتور أحمد النقيب كما في المادة 160 و 161 الذي قام بإعادة نشر مخطوط “إقامة الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر و القاهرة” عام 2012 الذي كتبه الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري شيخ من شيوخ الأزهر (1767-1776 ) والذي برر فيه ومن خلال مصادر شرعية في التراث الإسلامي هدم الكنائس؟؟؟ وقام النقيب بإعادة كتابة التقديم له أي موافقته التامة لما جاء فيه؟

تهمة التحريض على الفتنة وإزدراء الأديان قد لا ’تنفذها الحكومة فعليا ولكن سكوتها وعدم حمايتها لمواطنين إستعملوا حرية التعبير وتعرّضوا لتهديد مباشر من المواطنين بعده, يعني سكوتها ومباركتها الضمنية لأي شخص تثور حميته ويعمل على تطبيق الحد الشرعي؟؟ تماما كما حدث مع الكاتب الأردني ناهض حتر, الذي إتهم بإثارة النعرات الدينية بعد إعادة نشرة لكاركاتير عن تمتع المجاهدين بحوريات الجنة؟؟ ’ترى من هو المسيء الأول للدين وللمجتمع؟ هل هو ناهض أم داعش والتنظيمات الجهادية الأخرى التي تستعمل الحوريات لإستقطاب شباب غافل ومحروم من كل أشكال الحياة الكريمة في بلده؟؟؟؟ الوضع مماثل في كل الدول العربية الإسلامية ولكن السؤال إلى متى؟؟؟؟ إلى متى ’تبقي هذه الحكومات التي تدّعي المدنية والفكر المنفتح على الحضارات وعلى العالم بينما هي ترواح مكانها بين قيم الحريات وقيم داعش والنصرة وغيرها من المنظمات التي تدّعي الجهاد بينما الجهاد هو جهاد في قول كلمة حق؟؟؟؟ إلى متى تعمل هذه الحكومات على إخراس أفواه وحرمان الأقلام سواء للكتابة الأدبية أم لنقد ما ’يخالف العقل والطبيعة الإنسانية في كتب التراث الديني؟؟؟ إلى متى تستمر هذه الحكومات بغض النظر عن جذور العنف والتطرف التي تصدو من على المنابر بينما تدّعي الوسطية والإعتدال؟؟؟ ألا تحث مثل هذه التهم المتعصبين لتطبيق الحد الشرعي؟؟؟ أهذه هي الحرية الوحيدة المسموح بها في أوطان حرمت مواطنيها من حرية البحث عن لقمة عيش وحياة كريمة في دول الجوار المؤمنة أيضا؟؟؟ كل هذه القوانين والمحاكمات تؤكد رغبة الدولة على إبقاء الوضع على ما هو عليه, برغم توقيعاتها العديدة في الإتفاقيات الدولية في حقوق الإنسان وتعود لتولول للمواطن العربي عن تجني الغرب على سمعتها الدولية وعلى شح قدوم الإستثمارات والسياح وتستمر في تحويل أموال ولاة الأمر للإستثمار خارج المنطقة العربية بحجة عدم الإستقرار؟