لم يعد الرئيس التركي السيد اردوغان يمتلك الا الاتهامات التي ينشرها يمينا ويسارا، فكل من اتخذ قرارا لا يعجبه يتهمه باسلاموفوبيا واحيانا بالنازية والفاشية. ولعل اخر ما وقع فيه كان اتهامه لهولندا بانها نازية، علما وكما يعلم الجميع ان هولندا كانت ضحية الحكم النازي، لا بل ان الشعب الهولندي يعتبر من الشعوب الاوربية المنفتحة جدا على الاخر ثقافة وعلاقات.

ان الرئيس التركي يذكرنا حقا، برؤساء العالم الثالث او لنقل العرب في الخمسينيات الى بداية التسعينيات من القرن الماضي، حينما يصور نفسه على انه مستهدف من الكل لانه يحمل اجندة اسلامية اورسالة عالمية. فاسلامية السيد اردوغان لا تجيز له حق مهاجمة الاخرين وبالاخص حينما لا يتفقون معه في مخططاته او اهدافه. ولكن لكل دولة سياستها كما ترسمها هي وعلى العالم التعامل مع هذه السياسية وخصوصا ان لم تكن عدوانية، فالغاء تجمعات او غيرها، هو حق مشروع للدولة او للبلديات التي يزمع اقامتها فيها. وليس من حق دولة اخرى مهاجمتها على ما تخطط له او تنفذه ان كان بموافقة الشعب او ان الهيئة القائمة بالالغاء تحضى بثقة ناخبيها.

في هذه اللعبة التي لعبها اردوغان سابقا، وخسر فيها مع اسرائيل وروسيا خارجيا ولكنه ربح داخليا وعلى مستوى العربي ، هناك مخططات يريد ان ينفذها الرجل واهم مخطط له، هو الطموح الشخصي لكي يتزعم تركيا لفترة طويلة. ان اي تعديل دستوري يجيز منح صلاحيات كبيرة له، من المرجح ان يمنحه حق ان يتزعم تركيا فترات اخرى اضافية. والرجل يبدو مهوسا بهذا الامر ومستعد ان يضحي بالكثير من العلاقات السياسية والاقتصادية من اجل ذلك، وخصوصا انه وبهذه السياسيات التي يرد ان يفرضها على اوربا، مستندا الى دعم امريكي ملتبس لحد الان، يقامر بالكثير مما يربطه باوربا ومنها حقه ان يكون عضوا في الاتحاد الاوربي. 

ان التصعيد الذي قاده قادة حزب العدالة والتنمية، وعلى راسهم زعيمه السيد اردوغان، غايته حشد جماهير الاناضول وشرق وجنوب شرق تركيا، لتاييد التغيير الدستوري وبنسبة عالية، من خلال دغدغة المشاعر الدينية لهذه الجماهير. من انه مستهدف من اوربا الكافرة بسبب كونه قائد اسلامي يرغب في اعادة امجاد طغرلبك. في خطابه هذا يحمل السيد اردوغان الازدواجية التي يحملها اي خطاب دكتاتوري عنصري فاشل. متناسيا ان انجازات الاقتصاد التركي في السنوات الماضية كانت جراء سياسات الانفتاح التي بشر بها وعمل عليها في بدايات حكمه، مما رشحه ليكون نموذجا، لما يتوقع منه العالم للحكومات في المنطقة. الا ان هذا النجاح الاقتصادي، حول اردوغان الى شخص اخر، شخص عدواني، يريد تطبيق اجندة طموحة، لا تجعله قائدا للمنطقة او وريثا حقيقيا للسلطنة العثمانية بكل ما تحمله من السيطرة وفرض الامر الواقع، بل الاستعانة بالجاليات التركية العاملة في الغرب، والتي عملت تركيا على الدوام ان يكون لها ارتباط كبير مع بلدها، للتاثير على البلدان المضيفة لهذه الجاليات. 

السيد اردوغان مأخوذا بعدد ابناء الجالية التركية، في الغرب، اعتقد انه يمكن ان يملي شروطه على هذا الغرب، سواء لائمت هذه الشروط الواقع الغربي ام لا. متناسيا ان هذه الجالية وان كانت تركية المنبت، الا انها ايضا تحمل تعدد فيها، ما بين اليمين القومي والاسلامي والليبرالي، كما ان هذه الجاليات تنقسم انقساما كبيرا قوميا، فبالاضافة الى اتراك هناك كورد تركيا ولهم وزنهم الكبير في الجاليات، وليس الوزن العددي ولكن الوزن من ناحية التنظيم والقدرة على مجابهة مخططات تركيا والاتراك، التي يعتبرها الكورد، معادية لهم قوميا. وهناك السريان (الاشوريون) الاتراك وهم ايضا جالية كبيرة في بعض البلدان مثل فرنسا والمانيا والسويد وبلجيكا وهولندا. وهم ان كانوا خاملين نوعا ما سياسيا، الا ان هناك نمو كبير للمشاعر القومية والدينية المعادية لتطلعات اردوغان وحزبه بينهم، وخصوصا بعد التراجعات الكبير عن السياسيات الانفتاحية المعلنة في البدء.ان الكثير من القوى الاوربية يدركون هذا الواقع والانقسام الكبير بين ابناء الجالية التركية، والتي رغم انهم باتوا يحملون جنسياتبلدانهم الجديدة، الا انهم يحتفظون بجنسيتهم وحقهم الانتخابي في تركيا. ويدركون ان الخلافات قد تنفلت وتتحول الى صراع معلن على امتداد الساحة الاوربية، غايته الانتقام والانتقام المتبادل. 

السيد اردوغان يرغب في تحقيق اجندته وطموحاته الشخصية، عارضا نفسه كالمنقذ الذي انتظرته الامة الاسلامية، ويريد في الوقت عينه من اوربا احترام غايته هذه ودعمه لتحقيق اهدافه والا فانها مصابة باسلاموفوبيا، منطلقا من رؤية ملتبسة تعتقد ان اوربا ضعيفة ومتهلهلة وهو قادر على اركاعها. وخصوصا ان قادتها يتكلمون لغة تصالحية وبصوت منخفض وباحث عن حلول في اقصى درجات الازمة، في حين ان صوته عالي ويجلجل، في التجمعات المقامة في تركيا، مهددا متوعدا بالانتقام ومطالبا بالاعتذارات التي لم تاتي لحد الان.

بالرغم من ان المانيا حاولت او ظهرت وكانها تحاول ان توازن الامور  بين منع بعض بلدياتها التجمعات المؤيدة لاردوغان من خلال منعها شعارات حزب العمال الكوردستاني وصور زعيمه المسجون عبداللهاوجلان. الا ان الامور ستتخذ منحى اخر باعتقادنا، فالخضوع للابتزاز ومحاولة فرض الاجندة الشخصية على اوربا لم يعد يفيد، بل انه مضر للاستقرار الداخلي. ومن هنا ورغم التوقعات بان تركيا، ستعود  لمحاولة اصلاح ما تضرر من العلاقات بين تركيا واوربا، بعد ان يحقق التحشييد غايته، بالفوز بتثبيت التغييرات الدستورية. فاوربا باتت مدركة للخطر الذي يشكله هذا الكم الهائل من البشر المؤدلج دينيا والمعادي للاخر بتهمة الكفر وبانه حامل رسالة الله، والطامح لفرض وصايته على الجميع. لو تمكن الكورد من طرح ذاتهم كقوى علمانية حقيقية، فحينها باعتقادنا، سيكونون خير من يمكن الاستعانة بهم للجم الطموحات الغير المعقولة للسيد اردوغان،والتي باتت لا تعرف حدود، ولا تهتم للاضرار التي تلحقها بتركيا وبمستقبل اوربا ذاتها.