يبدو لي ان الثقافة هي تراكم معرفي لعدة مدخلات input

ومن تلك المدخلات .. الدين .. العادات.. التقاليد..وحتى الجغرافيا.. والتاريخ.. وغيرها من المدخلات المتعددة والتي دخلت من ضمنها في عصرنا الحاضر .. ثورة التكنلوجيا بكل ما تحتويه من وسائل اتصال وانترنت وغزو ثقافي خارجي داخل المجتمعات الاكثر استهلاكية لمنتجات الاخرين ... أي .. ان التاريخ القريب سيكتب نشوء ثقافات جديدة ، &على سبيل المثال ... ثقافة عربية عامة.. وثقافات عربية خاصة لكل واقع عربي حسب موقعه الاقتصادي والاجتماعي .. ثم ثقافة عالمية عامة بفعل العولمة تتلاقح فيها الثقافات ويكون التأثير الاقوى لصانع المدخلات التي عن طريقها يتم نشر ثقافة الاقوى .. المنتج.

بمعنى .. اننا سنشهد .. في المستقبل ثقافات عربية مختلفة عن السائدة منذ عصور ... تتمازج بموروثها القديم الخاص بها مع منتج الثقافات المستوردة بفعل العولمة ووسائل التكنلوجيا الغربية .. لتشكل ثقافة اخرى لا نعرف كيف سيكون طعمها وكنهها .. لكنها لن تكون ذات نمط معين تبرز فيه بصمة لثقافة عربية خاصة بقدر ماسوف تكون ثقافة مهجنة .

وعندما اتحدث عن المدخلات .. الداتا.. input .. فانني اتخيل عقل الانسان ووجدانه: كعقل الكمبيوتر اثناء برمجة برنامج معين بهدف الحصول على مخارج output&

وتمر عملية البرمجة بما يسمى &processing . & &حيث يتم هضم الداتا المدخلة عبر ال input حسب اللغة البرمجية والمنطق الرياضي الذي غُذي به عقل الكمبيوتر لتكون النتيجة output مشابهة تماما للمعطيات الاولية في المدخلات.&

ومثلما يكون لمدخلات الكمبيوتر input &عدة وسائل مثل الكيبورد.. &والفأرة.. &والسي دي .. والفلاش ميموري .. الخ .

فان مدخلات الثقافة الى عقل وروح الانسان هي :

الدين

العادات

التقاليد

التعليم

وجميع الوسائل والمنابر التي يتلقى الانسان عبرها ثقافته المتنوعة.

وبعد ان يهضمها عقل الانسان ويصهرها في اللاوعي .. لسنين متراكمة او لقرون .. تكون المخرجات هي مانراه ونعرفه ونسمع عنه كسلوك ومنتج وعطاء الاخرين المسمى: تراث .. او حضارة .. او فكر ... أو حتى ارهاب .

بل ان الفكر لأي أمة أو شعب الذي تشكل بفعل ثقافة تراكمية .. هو المنتج output المنطقي للعملية الرياضية في العقل حين يتم حشوها ب ( الداتا) & عبر المدخلات (input) ويكون الفكر مشابها تماما أو مزيجا لعملية الادخال عبر عدة وسائل الى عقل الانسان وتختلف صورة الاخراج عن صورة الادخال في الشكل فقط.

لأن المدخلات تتم بطريقة تلقينية تمر عبر عملية الهضم الرياضي داخل العقل وتخرج حسب ماتتطلبه المدخلات في شكل مخرجات .. هي الانسان ذاته بسلوكه وعطاءه .

لذلك فان الفكر من وجهة نظري : يكون منتجا متغيرا لثقافة متراكمة .. ويتحول مع مرور الوقت الى ثقافة اخرى تبنى على انقاض ثقافة بائدة مع الاحتفاظ ببعض موروث الثقافة القديمة .. وكلما كان الموروث الثقافي القديم قويا ونافعا ومنيرا كلما كان دافعا واساسا قويا لانطلاق ثقافة جديدة بشكل اقوى.. والعكس صحيح.

أي .. أن الثقافة ، انعكاس ل feed back مسبقة وليست أساسا . انها مصب تلتقي فيه كل مايشكل شخصية الانسان : الفرد .. او الكل .. وكلما اصبحت بارزة في ملامح الوعي الجمعي ، كلما اثبتت تميزها بغض النظر عن جودتها او رداءتها ... لكنها تصبح مع مرور الزمن وفي مراحل من عمر الانسان أساسا لتشكيل مستقبل كيان الواقع الذي انتجها .

لذلك .. تصبح الثقافة لأي واقع كالمعلومات المخزنة لاحقا في ذاكرة الكمبيوتر الرئيسية: hard disk &مرجعا للتذكر .. تستطيع ان تمحو معلوماتها لكنك لا تستطيع ان تمحو اثرها .

والطريقة الوحيدة لإضعاف اثر ثقافة قديمة هي ان تضيف اليها ثقافة اخرى لتحل مكانها ولا تمحوها. لأن محاولة المحو لثقافة قديمة تحفز خلايا الرفض ان تتحرك بمناعة اقوى . لكن دمج الثقافات وانصهارها في ثقافة واحدة في محيط يسمح بحرية التنوع كفيل بابراز ثقافة اقوى واقدر على تغيير الواقع وجره صوب فضاآت اوسع ،&

عكس الثقافة القسرية التي تُفرض على ذاكرة لاتمتلك سعة تفكير واسعة ، وتمت برمجتها على عدم التفاعل مع كل شيء لا يشبهها.

صحيح ان الثقافة الاقدر على احتواء كل المعارف المتنوعة&

قد تكون معرضة لاختراق الفيروسات الاكثر فتكا بالذاكرة.. لكن الحرية : مضاد فيروزي قوي يمنع العقل من اي فيروس تدميري.

عكس الثقافة ذات الوجه القسري الواحد .. التي قد تكون محصنة ضد اي اختراق فيروسي خارجي بفعل انعزالها داخل شرنقة معتمة تمنع دخول خيوط الشمس ، لكن تلك الثقافة ذات البعد الواحد والوجه الواحد تخلق فيروساتها دون تدخل خارجي وعندما تضعف مناعتها الداخلية بفعل تحللها بسبب عدم تعرضها للأشعة ، فانها لا تحتاج الى هجوم فيروسي خارجي &ممنهج لكي يدمرها بقدر ماسوف تدمر ذاتها حين تتحارب خلاياها الداخلية نتيجة انعدام الافق الاوسع الذي يمنح للتعدد حرية الاختيار والتنوع .

&

الثقافة &كما أُعرفُّها : منتج لكل معارف الوعي الجمعي المتراكمة .. تصبح مع مرور الزمن ذاكرة محفورة في اللاوعي وتكشف عن نفسها...

[email protected]