بما أن الشيء بالشيء يذكر لذا فإن انتشار خبر إهداء الروس لستمئة كلب بوليسي للإدارة الذاتية في المقاطعات المعلنة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي كان مثيراً للاهتمام، حيث جاء في سياق النبأ أن الغرض منهم هو إدخال الكلاب في مجال الحماية والتفتيش في المناطق الكردية بسوريا، هي عملياً ومن النواحي الأمنية طريقة نافعة لمن كان له كامل السيادة على بقعة جغرافية معينة، نعم فرغم أهمية الكلاب من الناحية الأمنية، إلا أن الغريب في الموضوع أن الكلاب ستفيد الإدارة على الأرض فقط، بينما نفس الإدارة لا تمتلك فضاءها، إذ في الوقت الذي تم فيه بحث موضوع الكلاب وإهدائها لإدارة مقاطعة عفرين كانت الراجمات التركية تقصف عشرات القرى والمواقع في منطقة عفرين، لذا فإن وقع خبر تسليم الكلاب مع وقع سقوط القذائف على قرى المنطقة ذكّرنا بذلك الذي لا يملك سقفاً ولكنه يسارع لشراء الثُّرَيَّا ليزين بها بهو بيته، كما ذكّرنا الموقف بمواطنٍ كان يحب تقليد البرجوازيين في اقتناء ما يقتنونه، إذ أنه رغم فقره المدقع ومن باب المحاكاة راح يقتني كلباً علّهُ يصبح في مقام مَن كان منبهراً بهم، ولأن التقليد الفاقع مزعج لنواظر المبصرين فنصحه جارٌ له قائلاً: يا جاري العزيز برأي لو أنك بثمن ما تطعمه للكلب تقوم بشراء غذاءٍ مفيد لابنك الهش والهزيل لقويَ عوده على الأقل وعادت إليه عافيته، وهو على كل حال أولى من الكلب بالعناية وبما تنفقه من المال على ذلك الكائن وأنت فقير الحال. 
إذ أن الإدارة الذاتية لو كانت فعلاً معنية بسلامة الناس في المنطقة أمنياً وغذائياً، كان عليها أولاً أن تضع كل جهدها لتأمين الغذاء الضروري للناس الذين أنهكتهم سنوات الحرب وشهورها مع التطويق المستمر للمنطقة من معظم الجهات، وبالتالي تسمح لمنظمات المجتمع المدني بأن تقدم كل ما في وسعها لسكان المنطقة بدلاً من عرقلة أنشطتهم كما تشير إلى ذلك تلك المنظمات! والدليل على ذلك الخلل أن مدينة اعزاز الصغيرة جداً مقارنة بمقاطعة عفرين يعمل فيها ما يزيد عن 40 منظمة معنية بتقديم خدماتها للناس، بينما في كل كانتون عفرين لا يتجاوز عدد تلك المنظمات عن 10 منظمات، وذلك بسبب فرض الإدارة لشروطها الأيديولوجية من جهة ومن جهة اخرى تدخلها السافر بغرض السمسرة والاستحواذ على المردود المالي لتلك المنظمات كما كانت تفعل عائلتا الأسد ومخلوف في عموم سوريا، وحيث يعرف كل المعنيين بالمنطقة بأنها تعاني من الحصار الخانق منذ أكثر من سنتين من جهة تركيا من الخارج ومن الداخل من جهة الكتائب المتطرفة الموالية لتركيا، وكان على الإدارة الذاتية توفير كل الظروف المناسبة لعمل المنظمات، وكان عليها أن تحاول وبشتى السبل الدبلوماسية إيجاد آليه ما لإيقاف القصف على المنطقة سواءً من قبل الجيش التركي أو من قبل الكتائب المتطرفة، وذلك قبل الإنشغال بما هو أدنى منزلةً من أساسيات استمرار حياة الناس وبقائهم، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى يذكّرنا موضوع الكلاب بقصة الملك الذي قال يوماً عن رعيته أو جنده بأن ( جوّع كلبك يتبعك) فرد عليه أحدهم، وإن أطعمها غيرك تركتك ولحقت به، وهذا الموضوع لا يتعلق بالكلاب ككلاب فحسب إنما هو ينسحب على عامة الناس، حيث يُروى أن ملكاً من ملوك حميَر كان عنيفاً على أهل مملكته، يغصبهم أموالهم، ويسلبهم ما في أيديهم، وكانت الكهنة تخبره أنهم سيقتلونه فلا يهتم بذلك، وبينما امرأته كانت قد سمعت شكوى الكهنة حينئذٍ فقالت لزوجها الملك: إني لأرحم هؤلاء لما يلقون من الجهد ونحن في العيش الرغد، وإني لأخاف عليك أن يصيروا سباعاً وقد كانوا لنا أتباعاً، فرد عليها الملك: (جوع كلبك يتبعك) ولم يمر زمنٌ طويل حتى اتفقت الرعية مع أخ الملك ليساعدهم على قتل أخيه ويجلس هو مكانه، فاستحسن الأمير الفكرة، فوثبوا وثبة واحدة على الملك فقتلوه، فمر به بعد ذلك عامر بن جذيمة والملك مقتول، وكان قد سمع من قبل بمقولة الملك: (جوع كلبك يتبعك) فقال بن جزيمة: (ربما أكل الكلب مؤدبه إذا لم ينل شبعه). 
عموماً لا إشكال في وجود الكلاب أو السلاح أو الذخائر، ولكن الأهم من كل ذلك هو الإنسان، الذي سخّر له الرب حسب النصوص الدينية كل موجودات الكون وكائناتها الحية لتقوم بخدمته، وبما أن على المرءِ وفق علي بن أبي طالب: "أخذ الحكمة ولو من أهل النفاق" لذا ستفيدنا في السياق الذي نحن فيه إحدى جُمل الدكتاتور السوري المدفون حافظ الأسد القائل: بأن "الإنسان هو غاية الحياة وهو منطلق الحياة"، لذا على الإدارة الذاتية أن تولي اهتمامها بالإنسان الذي هو وحده مَن سيُدافع عن أرضه وهو نفسه الذي سيطعم الكلاب ويستخدمها بغرض الأمان، فإن غاب ولاء الإنسان لأرضه وسلطته، فلا أهمية حينها لا للسلاح ولا الكلاب.