حالة من الانهيار الفوضى تعم المنطقة العربية برمتها في ظل التفاف غير مسبوق حول "زعماء الطوائف" و"أمراء المذاهب" مما يعكس عقلية رعوية تكرس العبودية وتمزق المجتمعات بين "زعماء الحشد الشعبي" و "حزب الله " وخلفاء "داعش" وأمراء الفصائل المتنوعة من الميليشيات التي لا حصر لها وتعج بها المنطقة ، وفي وقت يحاول "حزب الله" تقديم نفسه على انه حزب وطني فإن المفردات الفكرية والفلسفية والعملية تثبت بما لا يدع مجالا للشك، انه حزب دموي يقوم على منظومة عقائدية شيعية اثناعشرية متطرفة لا تختلف عن عقلية داعش في الجوهر وان اختلفتا في الشكل، وعلى الرغم من الصراعات السياسية الاقليمية والتدخلات الدولية المباشرة، إلا أن ظاهرة تنامي "الميلشيات العقائدية" لا بد وانه وجد قبولا عند بعض القواعد الشعبية ، الأمر الذي يجعلنا نطرح اسئلة جوهرية حول سبب تراجع الوعي وتدهوره وسبب انسياق البشر حول "الزعيم الإله" ؛ ويستطيع المرء أن يستشف من مجريات الأحداث ومضمون الخطابات والشعارات أمورًا عدّة أهمها:
*إن الفشل العربي الرسمي يعكس فشل الإدارة في كل الانظمة البالية، وهذا الأمر ينسحب على كافة الأمور ومنها المدنية والعلمية والفكرية والاقتصادية، فالعجز العربي على الساحة الدولية خصوصًا، والتراجع في المسيرة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... إحدى أهم أسبابه الفشل الإداري الحاد في المؤسسة العربية والفساد المتغلغل في كل المرافق العامة والخراب الهائل في البنية التنظيمية له.
*إن المواطن يمتلك من الإمكانيات الفكرية والقدرات العملية التي تُغيَّب في ظل البنى المؤسساتية العاجزة في بيئة طاردة للموهوبين، وفي ظل قمع منظم مباشر وغير مباشر لحرية التفكير والتعبير الأمر الذي كرس عبر سنوات طويلة مفهوم "الولاء للشخص" لا للوطن فاختزلت الوطن بالاشخاص والقضايا بالزعماء.
*إن كل شعارات المفاوضات والسلام لكافة القضايا بدءا من "المفاوضات العربية – الاسرائيلية" وصولا الى "مفاوضات وقف الحرب قي سوريا" هي مجرد كلام شكلي لا تعبّر سوى عن الاشخاص المشاركين والموقعين عليها، فيما الإرادة الشعبية وتوقعاتها في واد آخر، وهي مفاوضات لا تؤسس الى ثقافة سلام فعليّة أو مشاركة حقيقية ، لذلك فإن هذا "السلام" لا قيمة له عمليًّا لا في السابق ولا حاليًّا ولا في المستقبل إن بقيت مضامينه على الصورة الحالية ، لأنه سيزول بزوال الشخوص.
*اتساع الهوة بين بعض الأنظمة وشعوبها خلال العقود الماضية الذي تبلور في انفجار الثورات بعد القطيعة بينهما، الأمر الذي أدى الى تفريخ "ميليشيات عقائدية" وتناميها تغلغلت في فساد المؤسسات من جهة وألغت مفهوم "الدولة المدنية" بحيث تحولت الأنظمة الى تابع للمليشيات المتحكمة فيه كما في العراق وسوريا ولبنان...
ماهيّة أبعاد الخطاب السياسي ونتائجه:
الخطاب السياسي الحالي عقائدي أيديولوجي يتسم ب "لاهوتية أبويَّة" حادَّة، وهذا ما نجده عند جميع الأطراف دون استثناء، ف"الميليشيات الشيعية " لا تتوانى عن تحشيد طاقتها تحت "شعار "لن تسبى زينب مرتين " و " يا لثارات الحسين " في ظل منظومة فكرية صارمة تتطلب التبعية للولي "الفقيه "؛ كما "داعش" التي تعلن الولاء "للخليفة" وتحشد طاقتها تحت الشعارات المتنوعة و"البراء من الكفار" ، فيما الأنظمة المتهالكة تحاول ان تتعلق بخشبة "الخطاب الديني" لتضمن لنفسها نجاة في بحر المذاهب المتلاطمة.
إذن ما يدور اليوم هو صراعات أيديولوجيّة وثقافية حقيقية، وهذه لا تنتهي "بوقف العمليات القتالية " بحال من الأحوال بل الأعمال الحربية هو الوجه "المادّي الأعنف لها " وهو أحد الأوجه فقط لا غير.
لذلك فإننا إذا أردنا تحليل الخطاب السياسي المرتكز قراءة النص الديني ، نجد أن هذه القراءة تُوفر نوع من "الهيمنة " ل"الولي الفقيه " او ل"الخليفة" في ظل انفجار "متخيل" للأمة والامامة، وهذه القراءة تلغي السيرورة التعددية كما تعجز في الوقت نفسه عن تحقيق "الوحدة"، وهو خطاب مرتكز ومرتبط ارتباطًا عضويًّا بقراءة "النص الديني " المنبني على قراءة أيديولوجيّة بحتة ، الأمر الذي يحوّل هذا "الشرق الأوسط "إلى بؤرة نزاع وصراع لا ينتهي لان هذه القراءة يتولد عنها أمور:
*تعميم حقائق أي "أيديولوجية سياسية" لا يكون إلا عبر الفوز بالسلطة، فالسلطة هدف مباشر وأساسي.
*تتحول النصوص الدينية إلى مكان مركزي "لحرب التأويلات" وبالتالي لحرب "الحقائق" وتحصيل حاصل لحرب "السلطات" في ظل تأويلات "تكفيرية" متبادلة.
*تتماهى الحقائق والقوة في هذه الحالة، فتصبح المعارف سلطة والسلطة معرفة وتصبح معها "القراءة الأيديولوجية " وسيلة سيطرة وتفوق.
*ينبني عن النقاط السابقة، أن من يمتلك "سلطة المعرفة الدينية " كالولي الفقيه او الأمير يمتلك "السلطة السياسية" لأنه يمتلك "الحقيقة"، وهي تمثل بالنسبة له "الحقّ" بالإمامة او الخلافة المتمثل "بالنص الديني" "الإلهي"، وبناءً عليه فهو يُفسر أي تعارض مع هذه "السلطة" بأنه تعارض مع "الحق" و بالتالي تعارض مع "الإرادة الإلهية"، فبالتالي هو يمتلك الحق في ممارسة ما يراه ضروريًّا لإحقاق "الحق" فتصبح الحرب مقدسة ويصبح العنف مشروعًا وحقًّا ، وتطلق على ذلك المسميات كإسم "الحرب العادلة " أو "المقدسة " او "المقاومة المشروعة" او "النصر الإلهي" أو غير ذلك من التسميات التي حوّلت قلب المنطقة العربية إلى ساحة تخلّفٍ وخراب.
- آخر تحديث :
التعليقات