الكلدان السريان الاشوريون، في الاول من نيسان ببدء السنة الجديدة حسب التقويم القومي لمنطقة بلاد النهرين، والذي كان القدماء من اهل بيت نهرين يسمونه احتفال اكيتو، وتقام له الاحتفالات في اكبر معابدهم في بابل ونينوى. لا زال من يحمل فخر الانتماء الى هذا الارث، يحتفلون به الى يومنا هذا، وينقلونه معهم اينما ارتحلوا وحلوا، فالاحتفالات تبتدأ من نيوزلاندا واستراليا وايران وروسيا وارمينيا وجورجيا والعراق وسوريا وتركيا ولبنان ويونان واوربا الوسطى وصولا الى الامريكيتين، وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية وكندا، وهذه مناطق تواجد أبناء بلاد النهرين اوبيت نهرين بعضها استمر تواجده عليها الالاف السنين والبعض الاخر المئات واخرى اضطرته الهجرات وظروف القهر والتمييز العرقي والديني والحروب الداخلية وفرض قوانين لا تراعي ثقافتهم وانتماءهم عليهم، الى الهجرة اليها طلبا للامان، ولفترة راحة لعل تكون بداية جديدة لاشعال وهج حضارتهم التي نورت العالم وكانت بداية لكثير مما نشاهده ونتمتع به اليوم.

الغريب والمثير للأعجاب أيضا، ان الأقلية التي حملت مشعل استمرارية الانتماء الى الحضارة الاصلية لبيت نهرين، تتعرض من قبل اغلب الشعوب التي باتت اكثريات الى التمييز والانتقاص من حقوقها، لا بل التجاوز عليها وهضمها. بدلا من الفخر بها والعمل من اجل ترسيخ وجودها وتوفير الامان لها، لانها من تحمل ارث حملة مشعل الحضارة الانسانية. والاغرب ان أبناء المنطقة اي منطقة بي نهرين المقسمة، لا يحتفلون بهذا العيد الذي يرمز الى هذا الرابط بين انسان اليوم ومن بداء الخطوات الاولى في مسيرة التنوير الانساني. رغم كل مايقولوه عن انهم ورثة بناة الحضارة الانسانية.

ان راس السنة الكوردية، النوروز يكاد ان يكون الاستثناء من هذا، لانه بالحقيقة يتطابق مع الاحتفالات الاصلية لما كان يقام في نينوى وبابل، فنيسانو او نيسان الاشوري والبابلي حينذاك كان يبتدأ مع انتهاء الاحتفالات او في اليوم الاخير من الاحتفالات والتي كانت تستمر اثنا عشر يوما، عدا اضافة طقوس النار وغيرها اليه وهذا مفهوم لطول الفترة الزمنية التي لا يزال يحتفل بها فحتما تتم إضافات اخرى وحسب المنطقة والمعتقد السائد. ولان السنة البابلية الاشورية كانت سنة قمرية شمسية، فكانت الايام الاحد عشر التي هي الفرق بين السنة القمرة والشمسية، لا تعتبر شهرا. ولا تضاف الى ايام السنة بل، تقضى في احتفالات مستمرة وكل يوم على مستوى معين، وكان الجميع يتشارك فيها من العائلة المالكة وابناء الشعب ككل. الا ان ما يثير في النوروز انه صار مرتبطا اكثر بالشعوب ذات الاصول الارية او التي تمتد من افغانستان شرقا مرورا بايران ومناطق الكورد المختلفة. وكاد ان يكون عيدا قوميا للكورد والفرس بالاخص. كما انه من الملاحظ ان الاخوة الازيدية يحتفلون براس السنة الخاص بهم والذي يتوافق مع هذا الاحتفال، الا انهم لا زالوا يرتبطون بالتقويم اليولياني القديم والذي يتخلف ثلاثة عشر يوما عن التقويم الكريكوري المعمول به في المنطقة. وتختلط الاحتفالات القومية بالدينية وخصوصا بالرموز والمأكل وخصوصا مسألة البيض الملون الذي يستعمله الكلدان السريان الاشوريون فقط في عيد قيامة السيد المسيح فيما يستعمله الاخوة الازيدية ايضا في سري صال، او راس السنة.

تكاد الغالبية العربية في المنطقة، هي الوحيدة التي تتغيب عن الاحتفال الحقيقي بهذا الموروث الوطني لبيت نهرين، وكانها ترفض ادعاءها بانها وريثة حملة مشعل الحضارة الانسانية، من خلال رفضها المشاركة في هذه المناسبة الاكثر وطنية باعتبار الوطن هو الأرض وليس فقط الدولة، هذه الارض التي تضم العراق وسوريا واجزاء من تركيا وايران. ان عدم احتفال العرب او حتى الدول العربية التي قامت في المنطقة بهذا العيد، يعني ان هذه الدول، ابتعدت حقيقة عن منبع وجودها واتجهت نحو مصدر اخر لاثبات شرعيتها، والذي كان الدين بالاساس وليس الاستمرارية الانسانية وما انتجته هذه الاستمرارية. ودليلنا ان الدول القائمة وان اولت جزء من الاهتمام الضئيل الى التاريخ القديم، وخصوصا سومر وبابل ونينوى، وفي سوريا الدويلات الارامية، الا ان هذه الدول تجاهلت الانتاج الانساني في المنطقة، رغم رقيه وتقدمه، مثل الكتب والشعراء والادباء والجامعات العلمية التي اقيمت في القرون السبعة الاولى للمسيحية. وكان هذا الانتاج من الرقي انه كان الاساس التي استمدت بغداد ودمشق وحتى الاندلس الكثير منه لكي تعيد اصداره الى اوربا.

ان هذا التجاهل للاحتفال بعيد اكيتو، رغم قيام حكومات عراقية باحتفالات خجولة بعض السنوا بعيد الربيع، يهد اسس الارتباط التاريخي بين الانسان وما سبقه، مما يجعله يعتقد او يؤمن وان كان غير معلن، ان كل ماهو غير اسلامي، هو غريب عن المنطقة، في الوقت ان التواجد الازيدي والمسيحي واستمرارية تواجد الكلدان السريان الاشوريون، هو اصل المنطقة وهو من يحافظ على الروابط الاكثر قربا لما كان يقام قبل اكثر من الفان او ثلاثة الاف سنة من الان. لا بل ان هذا التجاهل، يراد من وان كان بلا وعي تجريد ابناء المنطقة من كل روابطهم الحقيقية بالارض وبماضيهم، لصالح ارتباطهم بثقافة او قيم مستوردة من البداوة. وفيما يمكن ملاحظة ان المسيحية، لم تلغي ارتباط الانسان بماضية، وبثافته السابقة، من خلال تبني الكثير من الاعياد والاحتفالات السابقة واعطاءها بعدا مسيحيا، فان الاسلام حاول تجريد او محو اي اثر للماضي الخاص بابناء المنطقة لصالح، ما قيل انه كان يقام في سوق عكاظ.

يتوافق بدء الاحتفال بعيد راس السنة البابلية الاشورية، مع بدء الربيع في المنطقة، وهو يدل على تجدد الحياة وبدء دورة النشاط والعمل وخصوصا ان العمل في الغالب حينها كان مرتبطا بالزراعة. فاذا كان راس السنة البابلية الاشورية مرتبطا بالدورة الجديدة للحياة، فان المسيحية استوحت ذلك حقا من خلال ان قيامة السيد المسيح التي تتوافق مع الربيع وتتوافق مع المعنى الرمزي للحياة الجدية، وقتل كاوا الحداد للملك الشرير الضحاك، وبدء الحياة الجديدة الخالية من الظلم. وهكذا في سري صال الازيدي. ان المطلوب الان ليس ازالة او محو الارتباط التاريخي لأبناء المنطقة مع ما استجد من الروابط التي قامت بالاساس على الدين ومن ثم بعد شيوع العربية واسلمة المنطقة صار ارتباط قوميا ايضا، بل الاهتمام الاهم بربط ابناء الوطن مع ماضيهم بكل ابعاده وبمختلف روافده، لكي يتصالح المواطن مع ماضية ومع اخوته في الوطن ممن لا يحملون نفس تفاصيل هويته الدينية او القومية، ولكنهم بالتاكيد يحملون الكثير مما الروابط المبنية على تاريخ طويل من الحياة المشتركة.