منذ ما يقرب من ثلاثة عقود والكورد يسعون بشتى الطرق والاساليب المتاحة امامهمتجاوز ما تعرضوا له من جريمة تقشعر لها الابدان ومعاناة تعجز عن وصفها الكلمات خلال عمليات الـ"انفال" سيئة الصيت ابان حكم نظام صدام البعثي، وفي الوقت نفسه يحاولون اطلاع العالم على ما اقترف بحقهم من انتهاكات ترفضها الشرائع السماوية والوضعية على حد سواء والتي لاتزال آثارها النفسية والاجتماعية على المستويين الفردي والمجتمعي شاخصة حتى يومنا وتتجدد في كل استذكار سنوي للفاجعة ابتداءا من شهر نيسان من كل عام.

المأساة كانت كبيرة ولاتقل شناعة عن فضاعات وجرائم الابادة الجماعية التي عرفها التاريخ البشري في حقب مختلفة من قبيل ابادة الامريكيين الاصليين (الهنود الحمر) او محرقة اليهود من قبل النازيين والمعروفة بالهولوكوست او ابادة الارمن على يد الامبراطورية العثمانية والابادات الجماعية الاخرى في كرواتيا والبوسنة ورواندا ...الخ، فالضحايا وان اختلفت اعدادهم وجغرافياتهم ولغاتهم وقومياتهم الا انهم في النهاية يمثلون الحلقة البشرية الكبرى وكل ما اقترف بحقهم سيبقى يمثل وصمة في جبين العالم لاسبيل لازالتها بسهولة.

قصص انسانية مؤلمة تهز المشاعر تضمها ثنايا هذه الفاجعة، فهي لم تعد انتهاكا بحق قومية او عرق معين عبر محاولة طمس هويتها وابادتها جماعيا وحذف نسلها عن الوجود نهائيا، بل اصبحت تمس الانسانية جمعاء وفي الصميم وبالتالي تحتم على المجتمع الدوليالتحرك للتنديد بها ومعاقبة مقترفيها ثم الحؤول دون تكرارها مهما كلف من ثمن.

انطلاقا من هذا المبدأ فقد ركز الكورد جهودهم طوال العقود الثلاثة الماضية على التعريف بالفضاعات التي ارتكبت خلال تلك العمليات من تدمير وهدم لآلاف القرى والبلدات وتهجير سكانها قسرا وتجميعهم في معسكرات احتجاز وتجويعهم حتى الموت قبل سوقعشرات الآلاف منهم من اطفال ونساء وشيوخ وشباب الى مقابر جماعية في الصحاري النائية لدفنهم فيها احياء. الجهود كانت تهدف الى تحذير وتنبيه الرأي العالمي من مدى خطورة الوضع وحث المؤسسات الدولية المعنية على تقديم ما يمكنها من مساعدة في تخطي تبعات الجريمة الكبرى والتخلص من آثارها وعدم السماح بأفلات مدبريها دون حساب.

حملات كبيرة داخليا وخارجيا وفعاليات مختلفة سياسية وثقافية ومدنية وحتى فنيةودبلوماسية بالاضافة الى تسخير امكانات بشرية وماددية ضخمة وتخصيص مبالغ طائلة شهدتها تلك الاعوام من اجل التعريف بماجرى وشرح وتوضيح مدى بشاعة الجريمة المرتكبة بحق الكورد وعرضه على المجتمع الدولي املا في حشد تأييد ودعم عالمي لادانته واستنكاره والتحرك الجدي للاعتراف رسميا بمظلومية هذا الشعب واحقاق الحق عن طريق قرار دولي تنصف الضحيا وتعاقب الجناة، الا ان الاستجابة لم تأت مثلما تؤمل حيث لم تكن بالمستوى المرجو ولم تناسب حجم وهول الجريمة فصدى الحملات لم يصل كما يجب الى مرأى ومسمع الكثير من المحافل والاوساط الحقوقية والمدنية المؤثرة في الغرب، فالقليل من برلمانات الدول والمنظمات العالمية بادرت الى الاعتراف بتلك الابادة الجماعية ولم يرق هذا الدعم الى مستوى اجماع دولي داخل المنظمة الاممية وان كان المجتمع الدولي قد ادان قمع الشعب العراقي وخصوصا الاكراد حيث اصدر مجلس الامن عام 1991 القرار رقم 688 الذي ندد فيه بقمع السكان المدنيين العراقيين, بما في ذلك في المناطق التي يسكنها الاكراد، الا ان جريمة الـ"انفال" بوصفها جريمة ابادة جماعية موجهة ضد الانسانية لم يتم التطرق اليها في قرار اممي واضح وصريح على وجه الخصوص.

بغض النظر عن العوامل السياسية وما يتعلق بمصالح الدول التي قد تكون وراء عدم صدور هكذا قرار اممي، الا ان تفاصيل اخرى متعلقة بعدم فعالية الاساليب والآليات المتبعة في الحملات والنشاطات المختلفة التي نظمت للتعريف بالجريمة ونوعية الرسائل التي تضمنتها ربما كانت لها دور في عدم بلوغ الاهداف المرجوة والضعف في الوصول الى مراكز صنع القرار العالمي والتاثير عليها من اجل استغلال نفوذها لصالح نبذ هذه الجريمة وادراجها على لائحة جرائم الابادة الموجهة ضد الانسانية.

*صحفي من كوردستان