فهد الدغيثر

يقولون هداهم الله أن مجموعة "إم بي سي" معادية للإسلام وتنشر الرذيلة وتشجع على الإلحاد وتبث مشاهد التعري. الحقيقة لم يتركوا عيباً اخلاقياً إلا وضعوه في هذه المجموعة.

أمضيت عدد من الساعات في تصفح حساب أحد الأخوة السعوديين قبل كتابة هذا المقال ويقال بأنه مهندس يدرس الطلبة في إحدى الجامعات الكبرى بمدينة الرياض، ووجدته يزخر بالتغريدات والحملات الموجهة نحو مقاطعة المحطة ويتفاعل معه عدد لا بأس به من الأخوة. بل وصل الأمر الى محاولته وعبر حسابه تنظيم حملات شعبية لمقاطعة المنتجات الإستهلاكية المعلنة في قنوات "إم بي سي". هذا الأستاذ يقوم بعمل منظم لا يعرف الكلل ولو أنه في النهاية لا يحمل أي نتائج تذكر على الأرض.

في موضوع الإدعاء بأن القناة تحارب الإسلام لا يجد المتابع أي توجه لذلك وكيف لقناة عربية سعودية أن تفعل ذلك لاسيما وهي تبث من دولة عربية إسلامية أيضاً. لكن القناة تحارب التطرف والعنف الذي يحدث بإسم الإسلام وتحارب أيضاً فكر وأفعال جماعة "الإخوان المسلمين" صراحة وعلناً كما فعلت حكومة المملكة ودولة الإمارات ومصر وكما سيحدث قريباً في عدة دول كبرى. فهل ردود فعل الأخوة هو في حقيقة الأمر مجرد محاولة لتتوقف القناة عن فضح الجماعة إياها؟ 

قد يكون هذا التفسير هو الأقرب إذ وعند مطالعتي نقدهم لمحتوى هذه القنوات المتعلق بترويج العلاقة بين الرجل والمرأة وقصص الحب التي يعترضون عليها، لم أطلع أبداً على أي ملاحظات حول ما يدور داخل المسلسلات التركية وهي مسلسلات تبثها نفس المجموعة وبانتظام. لم اقرأ عن قصص الحب العظيمة التي تعتمد عليها المسلسلات التركية بشكل عام وتبثها قنوات متعددة ومختلفة. يستشهدون بأي محتوى ما عدا المحتوى المولود في تركيا. معروف بالطبع أن تركيا لدى البعض ومنهم هؤلاء الأخوة تعتبر خط أحمر لا يجوز المساس بها ولا حتى الإقتراب منها كونها أصبحت الملاذ الأخير لمن تورط في دعم الجماعة ولم يتمكن من الخلاص.

ولأن قناة "الجزيرة" القطرية لا تخفي ميولها الداعم لجماعة الإخوان المسلمين وهو المستمد أيضاً من موقف الحكومة القطرية كما جاء في خطاب الشيخ تميم في مؤتمر القمة الأخير، أقول بسبب هذا التوجه لا تجد نقداً بل ولا كلمة واحدة موجهة لتلك القناة باستثناء تغريدة واحدة خرجت من الشيخ عايض القرني قبل يومين. العالم كله بات مدركاً دور "الجزيرة" في تأجيج الصراعات في منطقتنا العربية والتي لا تخفى نتائجها المدمرة في كل مكان. 

بل أن هذه القناة وفي سنوات بروز منظمة "القاعدة" والتفجيرات في الرياض كانت المنبر الأهم لخطب ورسائل أسامة بن لادن والموجهة تحديداً ضد أمن واستقرار المملكة العربية السعودية. ليس ذلك فحسب فقد بلغت بها الوقاحة الى استضافة شيوخ سعوديين عرضوا على القناة نوعاً من المقايضة والهدنة بين الحكومة السعودية والخوارج، والحديث لا يزال عن أنشطة بعض الأخوة السعوديين في وسائل التواصل الإجتماعي، الصمت عن كل هذا هو العنوان ومن يتكلم عن "الجزيرة" فله الويل والثبور. ليتهم توقفوا هنا إذ وبدلاً من الوقوف مع الوطن رفعوا سيوفهم الخشبية فيما بعد على قناة "العربية" وكانت وقتها الشقيقة لمجموعة "إم بي سي" السعودية وقد أمر الملك فهد رحمه الله بتأسيسها لإحداث نوعاً من التوازن في الفضاء العربي وتحديداً في نشرات الأخبار. يقول المثل الأميركي: بوجود أصدقاء كهؤلاء لا حاجة للأعداء. وأقول بوجود مواطنون كهؤلاء لا نحتاج للعدو.

إذا كان الحديث حقيقة عن حماية الإسلام فلماذا نذهب بعيداً. وسائل التواصل ذاتها تغرق في الحسابات الإلحادية والتشكيك في الدين ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ليس ذلك فحسب بل تجد حسابات إباحية لا حصر لها ونشر واضح للدعارة والشذوذ والمخدرات. 

موقع يوتيوب المتاح للجميع هو الآخر يغص بالمقاطع ذاتها ومن كل مجتمع بما في ذلك مجتمعاتنا العربية وبحوار ودراما باللغة العربية. هل سمعتم أحد ممن لا ينام ولا يصحو إلا على النيل من مجموعة "إم بي سي"، هل سمعتم أحد من هؤلاء ينبه ويحذر من تويتر ومن فيسبوك ويوتيوب؟ أليس في محتوى هذه المواقع محاضرات كاملة ومترجمة تتحدث عن الأديان ومنها ديننا الحنيف كخرافة وأساطير لا قيمة لها؟ أين الغيرة والخوف على الإسلام هنا؟

لكن تخيلوا الفضاء العربي بلا مجموعة "إم بي سي" وبالنسبة لي شخصياً فهذا تاريخ وليس خيال. منذ أن بدأ البث التلفزيوني عبر الصحون اللاقطة وفي كل بيت في مطلع التسعينات كنا نتجمهر حول قنوات ناجحة جداً وقتها وهي قنوات" المستقبل" و "إل بي سي" اللبنانيتان. 

كانت النغمة السائدة آنذاك هي تحريم وضع الصحون فوق المنازل. لكن سرعان ما فشلت تلك الحملات وظهرت مجموعة "إم بي سي" ومئات القنوات الأخرى ومنها مجموعة قنوات "المجد" السعودية. أصبح المشاهد يتنقل من محطة لأخرى لمعرفة أين يجد الحقيقة والمتعة والمهنية والفائدة. بعد صراع قوي استمر بضع سنوات استقرت الحال على تربع "إم بي سي" على المراكز الأولى جماهيرياً. كان من الطبيعي ونتيجة لذلك أن يتوجه المعلن لهذه المجموعة. وهكذا بدأت تقل موارد القنوات الأخرى وأفلس عدداً منها وبعضها هبطت مستوياته بشكل مرعب ما عدا القنوات التي تتلقى الدعم من الحكومات كقناة الجزيرة على سبيل المثال.

الذي أريد الوصول إليه هو إثبات حقيقة تلك المواقف وأن من يحارب قنواتنا السعودية تحديداً ولعلي أقول معظم وليس كل من يفعل ذلك، إنما يفعل فقط لأنها تقف مع الحكومة ضد الجماعة. من يفعل ذلك عن علم وإدراك فهو في الواقع يضرب بمصالح الوطن عرض الحائط في سبيل نصرة تلك الجماعة. وما ثورة ٣٠ يونيو التي أطاحت بحكمهم في مصر ومواقف نفس الأفراد عنا ببعيد رغم وضوح موقف المملكة الذي عبر عنه الملك عبدالله رحمه الله بعدساعات قليلة من الإطاحة بمرسي. 

إذاً كونوا أشجع قولوها بصراحة فقد مللنا من توظيف الإسلام في قضاياكم السياسية. قولوا بأنكم مع الجماعة ضد أوطانكم وتوقفوا عن اللعب والدوران بهذه الطرق الملتوية التي عفى عليها الزمن. 

مجموعة قنوات "إم بي سي" وقناة "العربية" تعتبران العمود الفقري الذي تقف عليه الإمبراطورية الإعلامية الأضخم جماهيرياً. وكونها مملوكة لسعوديين فهذا يزيدها جمالاً ورونقاً وفخراً في عيون مواطن سعودي مثل كاتب هذه السطور. لا مانع من النقد لخطأ عابر وجل من لا يخطيء لكن ليس بهذه الخطط الممنهجة المستمرة. 

تذكروا أيضاً أن ليس هناك أقبح ولا أحقر من مواطن يضع الولاء ويعلن الحب لوطن آخر أو جماعة أخرى خارجية. هذه الفئة تتربع على أبشع أنواع الدناءة ولن تجد من يحترمها ولنا في مقولة هتلر خير دليل على حقيقة هذا القول. فقد تلقى من أحدهم سؤآل: "من أحقر من قابلت في حياتك؟" فرد هتلر قائلاً: "أحقر أناس قابلتهم في حياتي اولئك الذين ساعدوني على إحتلال أوطانهم". يقصد بالطبع عديمي الولاء للأوطان التي ينتمون اليها.