تعد المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم اشتعالًا بالأزمات والصراعات الداخلية والبينية، مما جعلها تستحوذ على ما تقدر نسبته بـ24 في المائة من الصراعات المسلّحة في العالم، بما يتجاوز ضعف النسبة العددية للدول العربية، فمن بين 111 مبعوثًا أممياً خاصًا موزعين على مختلف القارات والمناطق الجغرافية الساخنة في العالم، تتقاسم الدول العربية فيما بينها ما يزيد على 15 مبعوثًا أمميًا. 

 ويعد ستيفان دي ميستورا، المبعوث الدولي الثالث إلى سورية، فقد سبقه مبعوثان هما: الأخضر الإبراهيمي وكوفي أنان، حملا صفة المبعوث الدولي - العربي المشترك الى سورية، واعلن استقالته من مهمته في 2 أغسطس 2012 ، والقى مسؤولية فشله على العسكرة المتزايدة على الارض – لأنها حسب وصفه " دواء أسوأ من المرض"- وانعدام الاجماع في مجلس الامن حول موقف واحد من الازمة. 

وكان أنان قد قدم خطة للحل في سورية في أبريل 2012، مؤلفة من ست نقاط ويمثل وقف اطلاق النار عنصراً حيوياً فيها. أتبعها بالقول صراحة:" يتعين علينا أن نكون واقعيين تماما عندما نطرح مقترحات على الطاولة لنفهم أنه يمكن تنفيذها وستحقق النتائج الصحيحة، وإلا فإننا نتعلق بآمال كاذبة أو نخلق المزيد من المشاكل". 

 أما الأخضر الإبراهيمي، الذي عين في أغسطس 2012 كمبعوث للأمم المتحدة إلى سوريا، والذي دُعي في سبعينيات القرن الماضي، إلى القيام بمهمة إنهاء الحرب الأهلية في لبنان فقد كان عراب فكرة تقسيم الوساطة والدعوة إلى مؤتمر "الطائف" الذي أنتج موافقة دمشق على اتفاق الطائف الذي وضع الأساس لإنهاء الحرب، والانتخابات العامة وإعادة التوزيع للقوة السياسية بين الطوائف.

 وكرر الإبراهيمي فكرة تقسيم الوساطة مرة أخرى في أفغانستان وأدار محادثات ماراثونية مع ممثلي معظم الفصائل الأفغانية، أقنع وهدد، تحدث برقة ورفع صوته، فيما كان هدفه هو تحقيق قاسم مشترك داخلي يسمح له بعد ذلك بإقناع الدول المجاورة، وعقد مؤتمر بون في العام 2001.

 وفي العراق، حاول الإبراهيمي تكرار أسلوبه المعروف في فض النزاعات الأهلية غير أن الولايات المتحدة ممثلة بالحاكم الاميركي للعراق بول بريمر قررت تعيين اياد علاوي رئيسا للحكومة المؤقتة. بينما كان الابراهيمي يؤيد مرشحين آخرين. ولذلك لخص فشله بالقول: "بريمر هو دكتاتور العراق، لديه المال ولهذا ففي يده القرار".

 وتمحورت مهمة الإبراهيمي السورية حول التحضير لانعقاد مؤتمر جنيف "الثاني" واستيضاح طبيعة "الأدوار الايجابية التي يمكن للدول الإقليمية الفاعلة القيام بها، وحدود "التنازلات الممكنة" من جانب السوريين حكومة ومعارضة. فضلاً عن تداول واقعية فكرة الهدنة الشاملة او الجزئية، وفكرة "الهيئة الانتقالية وصلاحيتها" والتي وردت في وثيقة جنيف "الأول" في حزيران 2012.

 وقد ترأس الابراهيمي جولتين من المفاوضات السورية- السورية ، انتهت الى طريق مسدود. ولذلك أعلن الابراهيمي استقالته من منصبه في مايو/ أيار 2014، محذراً من أن " الخطر الذي يهدد سوريا، ليس التقسيم ولكن التحول إلى صومال جديدة بسقوط الدولة ". وأن "الأمل الوحيد هو في التقارب الأميركي الروسي حول الأزمة، لأن العمل بين السوريين أنفسهم لم يأت بثمار". 

 وأثمرت جهود دي ميستورا، عن تعدد جولات المفاوضات السورية-السورية في جنيف، وتمحورها حول أربعة موضوعات، هي : الدستور والانتخابات والحكم و"مكافحة الإرهاب". ولذلك لم يتوقع حدوث "معجزات ولا حتى انهياراً للمفاوضات". 

 ويبدو من طريقة عمل مبعوثي الأمم المتحدة والنتائج التي توصلوا إليها في مناطق النزاع العربية، أنهم لا يعملون على حل الصراعات، وإنما على إدارتها، وأحياناً زيادتها سخونة وتوتراً، من خلال الانحياز إلى أحد طرفي النزاع بدلًا من وضع حلول عملية تساعد في الخروج من تلك الأزمات. ولعل السبب الرئيس في فشل مبعوثي الأمم المتحدة في مهامهم يتمثل في تجاهل غالبيتهم لجذور وأسباب الأزمات والصراعات.

 وكان الكونت فولك برنادوت الديبلوماسي السويدي الذي عينته الأمم المتحدة وسيطاً لها لحل قضية فلسطين في 20 مايو أيار عام 1948 قد استطاع تحقيق الهدنة الأولى في فلسطين في 11-6-1948 ثم بدأ ينفذ المهمة التي اوكلتها إليه الأمم المتحدة.‏ وتمكن من الدعوة إلى مفاوضات جرت في جزيرة (رودس) في نهاية عام 1948 وتوصل إلى مجموعة من المقترحات حول مستقبل الوضع في فلسطين. وأعد برنادوت مشروعاً, جوهره " أن تتخذ الأمم المتحدة كل ما من شأنه إيقاف الأعمال العدوانية في فلسطين. والتعهد بضمانات فعالة لإزالة مخاوف العرب واليهود كل من الآخر وخاصة فيما يتعلق بالحرية والحقوق الإنسانية".‏

 وقد رفض مشروع برنادوت من قبل جميع الأطراف الفلسطينية والعربية و الصهيونية, غير إن الرفض الصهيوني كان أعنف فقد قامت عصابه (شتيرن) باغتيال برنادوت في وضح النهار يوم 17/9/1948, وقام مساعده رالف بانش الأميركي بمتابعة مهمته كوسيط دولي حيث أشرف على اتفاقيات الهدنة الدائمة بين كل من اسرائيل من جهة ومصر والأردن ولبنان وسورية من جهة أخرى.‏ 

إجمالاً، تبدو الأمم المتحدة غير فعّالة على صعيد حل النزاعات العالمية والأزمات الكبيرة كالأزمة السورية، كما أن نجاحاتها كانت قليلة ومتباعدة. ومعظم الوساطات من أجل السلام أنجزتها أطراف أخرى، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

ومما لاشك فيه أن الخطوة الأولى نحو تفعيل الدور السياسي للأمم المتحدة تتمثل في أن تكون تجسيداً لفكرة قوة الحق التي آن أوان تأكيد مصداقيتها من خلال إلغاء حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به الدول الكبرى حيث يسيء بعضها استخدامه وفقاً لمصالحه أو مناكفة للبعض الآخر الذي يرد باستخدام قوته العسكرية، مما يعمق الأزمات الدولية والإقليمية، ويحول المبعوثين الدوليين، في بعض الأحيان، إلى شهود زور أو مراقبين لا حول لهم و لا قوة.