أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله يوم السبت قبل الماضي أوامر ملكية، تضمنت إعادة البدلات لموظفي الدولة وتقديم اختبارات الطلاب والطالبات قبل حلول شهر رمضان, كما أن الأوامر تضمنت إعفاء وزراء من مناصبهم وتعيين خلف لهم. هذا هو سلمان الحزم الذي نعرفه, ولن نعدم خيراً من مليك تربطه بشعبه علاقة الوالد بالولد. أما بالنسبة لمعاقبة المسيئين, فهذا أيضا لا يستغرب ولا يُستنكر فمن عمل القيادة أن تقول للمُحسن أحسنت, ومن حق المسيء أن تقول له لقد أسأت لوطنك كما أسأت لنفسك.

إنه إجراء طبيعي أن تقوم القيادة بإعفاء الوزراء فمن دونهم من رجال الدولة وإحالة من ثبت بحقه جرم التقصير إلى المحاسبة والعقوبة, لكن ما حدث في اليوم التالي أمر يستحق التوقف. فقد فوجئت وأنا أدخل صفحتي بتويتر بوابل من الإشارات إلى هاشتاق يدعو للشماتة بأحد الوزراء المُقالين, ويذكر بأخطائه وأنه فعل كذا وترك كذا. لا أدري هل ورود هذه الإشارة بسبب علم المشير بأنني أحد الذين تضرروا من الوزير, أم بسبب أنني أنتمي لعالم الإعلام والكتابة, وواضع الهاشتاق يريد أن تصل شماتته إلى أكبر عدد من الكتاب والإعلاميين والمثقفين. على كل حال, الوزير قد أقيل من منصبه, وهذا بحد ذاته عقوبة كافية على تقصيره, وبالتالي لا حاجة أبداً لإظهار هذا الخلق الذميم الذي تجلى في الشماتة بذلك الشخص على النحو الذي رأيت. هذه ليست أول مرة أبصر حفلة شماتة بمسئول أقيل, وفي كل مرة أشعر بكم من التقزز ثم أمضي بدون تعليق, لكنني هذه المرة سأقول.

ينبغي ألا نخدع أنفسنا, الأمم لم تسبقنا في مضمار العلم فقط, بل سبقتنا وتفوقت علينا في مضمار الأخلاق أيضاً, ولن يفيدنا أبداً أن نقول إننا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي كان خلقه القرآن والذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق, لأننا أبعد ما نكون عن أخلاق القرآن وأبعد ما نكون عن تتميم مكارم الأخلاق. نحن نسخة تم تصويرها ألف مرة عن تلك الأخلاق, وبالتالي نحن النسخة الألف. وإذا كان هاشتاق الشماتة يقول إن النخبة هي التي أنشأته وشاركت فيه, فماذا سنتوقع من شرائح المجتمع الأخرى؟! هناك فقر أخلاقي مدقع, وأكبر الأخطاء تقع عندما نجحد وجود هذا الخلل, أو أن نهوّن من شأنه, فهل سنفيق؟!

نحن فعلا بحاجة إلى إحيائية أخلاقية, وإنه من الكوارث التي يندى لها الجبين ويخجل منها من به بقية من حياء, أن الوسط الثقافي الذي يفترض فيه أن يقوم بدور تنوير المجتمع والنهوض بأخلاقه ودعوته للعلم والترقي في كل مجالات الخير الأسمى الذي دعا إليه الأنبياء والفلاسفة وكل إنسانٍ نبيل, هو نفسه أكبر الشامتين عندما يسقط إنسان ما.

هذه الإحيائية الأخلاقية يمكن أن تكون حقيقة, إن زرعناها بالمحبة والتراحم وسقيناها بالتعاهد والتواصي, حتى تصبح قانوناً كلياً يلزمنا جميعا بتفاصيله وتعاليمه. هذه الإحيائية هي واجب المثقفين جميعاً من كل التيارات الوطنية, وهم المسؤولون قبل غيرهم عن بذرها وسقيها ورعايتها.