في ظهيرة يوم الأربعاء المصادف الحادي والثلاثين من أيار عام 2017 ، رحَلَ عميد الحركة الشيوعية العراقية (عزيز محمد )* بمنزله وسط مدينة ههولير عن عمر ناهز الثالثة والتسعين.

وللإشارة فإن عزيز محمد انتخب بالاجماع في عام 1964 و تحديدا بعد مجزرة شباط الاسود كسكرتير جديد للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، وتكرر انتخابه كسكرتير في مؤتمرات الحزب الشيوعي (الثاني سنة 1970 ، والثالث سنة 1976، والرابع سنة 1985, وفي المؤتمر الخامس الذي انعقد في عام 1993 قدم طلباً بإعفائه من مهمته لضرورة فسح المجال للرفاقه الجدد واكد في كلمته امام المؤتمرعلى ان يضع كل إمكانياته تحت تصرف القيادة الجديدة, لإمانه بالتجدد ( فكرا وسياسة وتنظيما) وايضا لضرورة تعميق الديمقراطية في الحزب وتجديده على كل الصعد. 

هنا ومن خلال هذه المقالة المتواضعة لااريد ان اتطرق الى مراحل نضال ( عزيز محمد ) التي استمرت لاكثر من 75 عامأ، ولا الى دوره في إخماد نار الاقتتال الداخلي بين الاخوة الاعداء ( الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني خلال التسعينات القرن الماضي و الذي كان يراهن عليه أعداء شعبنا، ولا الى دوره وترأسه للاجتماعات المكوكية للجنة العليا للتنسيق بين الاحزاب الكردستانية والتي كانت تجتمع اسبوعيا من اجل السلام الحقيقي ,ولا الى سعيه الجاد إلى تقريب وجهات النظر ونبذ الخلافات الداخلية وتوحيد صفوف جميع القوى الوطنية الكردية ومناشدتهم من اجل التوحد والانتهاء من الفردية والحسابات الفئوية الضيقة واعتماد لغة الحوار بين أبناء هذا الشعب والعمل وفق برنامج وطني ، مشدداً على أن الإقليم ليس حكراً على أحد بل هو وطن الجميع, وذالك من اجل وتفويت الفرصة على المتربصين بشعبنا للإجهازعلى قضيتنا العادلة, ولا اريد ايضأ ان اتطرق إلى المناسبات و انواع الاوسمة والنياشين والميداليات الذهبية التي حصل عليها من رؤساء وزعماء دول العالم منها ( وسام لينين و وسام النجم الساطع لقارة اسيا وافريقيا وعشرات الاوسمة الدولية الاخرى ) .

لااريد ان تطرق الى نضاله في سجن بعد ان حكم عليه بالاشغال الشاقة لمدة 15 عاماً من قبل محكمة المقدم عبد الله النعساني الملكية في عام 1949، لان الفقيد في حد ذاته تاريخ نضالي ليس فقط على المستوى العراقي فحسب بل على مستوى منطقة الشرق الاوسط والعالم باسرة، وخاصة بعد توليه منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي الذي يعتبر من اقدم الاحزاب العراقية ولفترات طويلة , وهب حياته للنضال وبجميع انواعه واستمر قابضًا على جمره نحو أكثر من 75 عامًا ... 

وانما اريد هنا ان اتطرق فقط الى زهده وتواضعه كقائد ومناضل مخضرم وكسكرتير لأعرق حزب يساري عراقي , لم يملك بيتاً لنفسه ولا سيارة فارهة ولا حماية ولا خدم وحشم , ولا ابار النفط ولا شرکات وهمية وارصدة خيالية كباقي قادة الاحزاب العراقية والكردية بدون استثناء , ولم يتورط بالفساد ولا نقطة دم على يده , حيث قضى فترة حياته متنقلاً في السجون والمنافي وبين مقرات حزبه والبيوت الحزبية المستأجرة في المدن العراقية ومواقع بيشمركة حزبه في جبال كردستان الشماء .

تخيلوا مناضلا بحجم ( عزيز محمد ) والذي عرف بـ(مهندس وحمامة السلام) في إقليم کردستان كانت مائدته في مطبخه المتواضع وأكلته المفضلة هي (البرغل والشاي السنكين ) . 

عاش منذ التسعينات في بيت مؤجر وقديم( لا حراس ولا شرطة ولا خدم ولا حشم) , كان يتنقل بسيارته المتواضعة مع سائقه فقط (لا موكب ولا ماطورات ولا سيارات شرطة ) .

تخيلوا قائدا، لدى وفاته بحثوا في جيوبه فلم يجدوا سوى هويته الشخصية وبضع دنانير معدودة وهي بقايا راتبه الذي هو كل ثروته، وتركته من الدنيا.....!! 

إن من أهم السمات التى تميز المناضل العزيز عزيز محمد أنه شخصية كارزمية حكيمة وكريمة، لم يخشى نقد الذات ، حيث قال في کلمته امام مؤتمر حزبه الخامس: ( أن موقعي الحزبي يجعلني المسؤول الأول عن الحزب وسياسته ولكي لا أسيء لحزبنا وتقاليده لا بد لي من القول بشأن مسؤوليتي بالدرجة الأساسية , كما وأني مسؤول أيضا عن كل الاسهامات والمبادرات التي قمت بها شخصيا لتطبيق هذه السياسة والتقصيرات التي انتابت هذا التطبيق..) 

عزيز محمد لم ينل من متاع الدنيا إلا المطاردة والاعتقال والألم والمعاناة ، مصراً على مواصلة الطريق إلى جانب رفاقه حتى آخر نبض. 

رحَلَ مانديلا العراق الذي ناضل لعقود ضد النظام العائلي ـ البعثي الذي كان على رأسه الدكتاتور صدّام حسين، وكان في جيبه بخس دنانير معدودة، لم يترك وراءه اموالا ولا عقارات وشركات لا في اقليم كردستان ولا في العراق ولا خارجه, ظلت ذمته نقية ويده ناصعة بيضاء كثلوج جبال كردستان .

رحل (عزيزنا ) الذي قدم الكثير الكثير ، ولم يأخذ إلا حبنا، واحترامنا، وتقديرنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*(عزيز محمد عبدالله ) , مواليد قرية بيركوت الواقعة في ضواحي مدينة اربيل عام 1924، سكرتير الاسبق للحزب الشيوعي العراقي (اكبر حزب يساري في الشرق الاوسط )، استمر مسيرته السياسية لاكثر من 75 عام , التحق في العام 1945 بالحزب الشيوعي العراقي، واعتقل في العام 1948 وبقي في السجن حتى 14 تموز 1958 , يعتبر من اهم الشخصيات السياسية المخضرمة في تاريخ العراق في النصف الثاني من القرن الماضي، كان يجيد اللغات: العربية , التركية , الروسية والإنكليزية جيدا اضافة الى لغتة الام الكردية، وكان يرفض الالقاب مثل( القائد او الاستاذ او الماركسي الضليع )، في 23 ـ 6 ـ 2015 حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة (كامبريدج ـ University of Cambridge ) البريطانية تقديرا لنضاله وكفاحه الدؤوب من اجل الحرية .تقلد منصب سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في حقبة تاريخية عاصفة، وتحددا بعد انقلاب شباط 1963 الاسود، تسلم القيادة وحزبه كان مثحن الجراح من جراء اكبر مجزرة ارتكبت بحق الشيوعيين وسائر أعضاء القوى الوطنية الديمقراطية على يد النظام البعثي الفاشي، حصل على جائزة لينين ، كما هو الشخص الثاني بعد نيلسون مانديلا ينال جائزة (النجم الساطع لقارة آسيا وافريقيا)، توقف نبض قلبه بعد ظهر يوم الاربعاء المصادف 31 ايار 2017 وهو طريح الفراش في منزله بمدينة اربيل . دفن المناضل عزيز محمد في مقبرة شهداء حزبه في قرية (كرده رش)في هولير. ( هذه المعلومات مقتبسة من لقائي مع المناضل والسياسي العراقي المخضرم عزيز محمد قبل رحيله بفترة قصيرة ).