يزداد المشهد تعقيداً بعد ساعات فقط من تصريحات رئيس الأركان الأردني، الذي شدّد فيه على انتفاء النية لدى القوات المسلحة للدخول إلى سوريا، أو الانتشار والبقاء فيها، فالمعارك في درعا حال اندلاعها، لا تبعد سوى أقل من كيلومتر واحد عن الحدود الأردنية، وشظايا المعارك ستطال الداخل الأردني، فضلاً عن الترتيبات التي عمل الأردن على إجرائها من ضمن تكتيك "الدفاع في العمق"، فكيف ستتصرف عمان إزاء وضع مُستجد كهذا، وأي شكل ستتخذه الاستجابة الأردنية لهذا التحدي الجديد الناشئ؟.

تنامُ عمان وعينها مفتوحة على شمال البلاد، ولا تطمئن لاتصالاتها المتقطعة مع موسكو ودمشق، سعياً لانجاز تسوية ما بملف جنوب سوريا، التي يبدو واضحاً اليوم أنها لم تُنجز كما خطّط لها الأردنيون، لتجنيبهم آثار معركة درعا، التي ستكون عنواناً لمرحلة جديدة في الحرب السورية، وهي بالتأكيد لن تتوقف عند حي بدرعا، لكنها ستمتد بعمق المدينة، وستترافق مع معارك بريفها، حيث يعني تحرير بعض البلدات في تلك المحافظة المتاخمة للحدود الأردنية مكسباً كبيراً، وورقة رابحة جديدة في مفاوضات دمشق مع اللاعبين الدوليين، وحيث يُنتظر أن تفرض دمشق شروطها على الجميع، لكن السؤال المطروح اليوم هو، هل ستُعطي الدول الراعية للمعارضة ورقة درعا للدولة السورية بدون ثمن؟ والجواب هو أنها تجري استعداداتها للتدخل بمجريات المعركة، بإنشاء غرف عمليات جديدة، ودعم المعارضين بالسلاح النوعي والمقاتلين، وليس مُستبعداً التدخل الإسرائيلي مباشرة في مجريات المعركة, فماذا يكون موقف عمان آنذاك؟

لن يقف الأردن مكتوف الأيدي، وهو جزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب، فيوم السبت أصيب جندي أردني، وقتل 3 مسلحين السبت خلال محاولتهم التسلل إلى الأردن من الجانب السوري، واستهداف نقطة عسكرية أردنية بالقرب من مخيم الركبان، وفوراً أكد مصدر عسكري أن القوات المسلحة الأردنية بكافة تشكيلاتها وصنوفها ستردع بالقوة وبلا هوادة كل من تسول له نفسه المساس بأمن الاْردن واستقراره.

وفي اليوم نفسه سقطت قذيفتان مصدرهما الأراضي السورية على مدينة الرمثا، إثر الاشتباكات الدائرة في محيط درعا السورية، غير أنهما سقطتا على مناطق خالية دون وقوع إصابات أو أضرار، ويقول سكان المنطقة إن أصوات الانفجارات العنيفة، الناجمة عن الاشتباكات بين قوات الجيش السوري وفصائل المعارضة، هزُّت منازلهم المُحاذية للجانب السوري، مُشيرين إلى أنها الأعلى منذ أشهر.

في الأثناء تُعزّز فصائل المعارضة السورية قدراتها بالقرب من معبر نصيب الحدودي مع الأردن، بعد أنباء من مخيم الركبان بالمنطقة الفاصلة بين الأردن وسوريا، تفيد بأن الجيش السوري يزج بقواته باتجاه المعبر التابع لمحافظة درعا، في محاولة لاستعادته من أيدي المعارضة التي سيطرت عليه قبل فترة، وهناك اشتباكات بين الجيش والمعارضة التي تستهدف أرتاله على طريق دمشق درعا، بينما يقول سكان في المناطق الحدودية الشمالية في الأردن إنهم يسمعون منذ ليلة الجمعة أصوات انفجارات شديدة، مشيرين إلى أنهم يرون أعمدة الدخان التي تتصاعد منها.

وكان الأردن أغلق معبر نصيب جابر الحدودي مع سوريا، في وجه حركة المسافرين والبضائع، في الأول من نيسان 2015، بسبب اشتداد المعارك في بلدة نصيب السورية، وسيطرة فصائل المعارضة على المعبر، الذي كان يستقبل يومياً مئات الشاحنات التي تنقل السلع بين تركيا والخليج، ويرتبط الأردن وسوريا بمعبرين حدوديين هما "درعا-الرمثا" و"نصيب-جابر" ويبعد الثاني عن الأول بكيلو مترين فقط، وقد سيطرت المعارضة السورية على معبر درعا قبل 3 أعوام.

على الحدود الأردنية السورية الملامسة للحدود العراقية عزّز الجيش الأميركي قوته القتالية، وحذر من أنه يعتبر من وصفهم "مقاتلين في المنطقة تدعهم إيران" تهديداً لقوات التحالف التي تقاتل تنظيم الدواعش. والأردن جزء من ذلك التحالف، وجاء هذا الإعلان الصادر عن الناطق باسم التحالف في بغداد، ليكون المؤشر الأحدث على التوتر في المنطقة، التي تنشر فيها واشنطن قوات في قاعدة حول بلدة التنف لدعم قوات من المعارضة، بعد أن أصبحت المنطقة الجنوبية الشرقية من الصحراء السورية، جبهة مهمة في الحرب ببن الجيش السوري ومن معه من الحلفاء، وبين معارضين يسعون لإطاحة الرئيس الأسد.

ويتنافس الطرفان للسيطرة على الأراضٍ التي تخضع لتنظيم داعش الذي يتراجع أمام هجوم مكثف في العراق وعلى امتداد حوض نهر الفرات في سوريا. بالرغم من ذلك فإن جبهة التنف لم تشهد أي تصعيد جديد، بالتزامن مع فتح الجيش السوري لجبهة جديدة في مواجهة فصائل معارضة محسوبة على واشنطن وعمان في ريف دمشق المتصل بالغوطة الشرقية، حيث تعمل الوحدات السورية على السيطرة على آلاف الكيلومترات المربّعة بين ريفي دمشق والسويداء، ويعتبر النجاح في السيطرة على المنطقتين أساسياً في هذا المجال.

لن يخرج الأردن عن إرادة التحالف الدولي، الذي يخشى كثيرون تأثّر قراراته العسكرية بنتائج قمة الرياض مع الرئيس الأميركي، وهذا ما يُثير قلق عمّان الراغبة بالنأي بقواتها العسكرية عن جغرافيا الحرب السورية، إلّا إن طالت نيرانها الثوب الأردني.